غانتس ومصير رابين

غانتس ومصير رابين

08 نوفمبر 2019

غانتس يخطب في ذكرى رابين بتل أبيب (2/11/2019/فرانس برس)

+ الخط -
قد يفهم القارئ من العنوان أعلاه أن الجنرال الإسرائيلي، زعيم حزب أزرق أبيض، بيني غانتس، سيسلك مسار رئيس الحكومة السابق إسحق رابين، حين بدأ مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية أدت إلى اتفاق أوسلو (إعلان المبادئ)، وإقامة أول سلطة وطنية فلسطينية على جزء من فلسطين، ودخول آلاف من كوادر منظمة التحرير الفلسطيني، والزعيم ياسر عرفات. ليس هذا هو المقصود، أن غانتس سيسير على خطى رابين، بل إن مصيره قد يشبه مصير رابين، حين اغتال الأخير المتطرف إيغال عمير نهاية العام 1995، بسبب اعتماده على أعضاء الكنيست العرب، للتفاوض على ما تسمّى "أرض إسرائيل" الممنوحة، وفق الادعاء الصهيوني، لليهود فقط، فأقدم، في حينه، على سابقة بإشراك ممثلي الفلسطينيين في إسرائيل في قضايا مصيرية، حيث تعتبر أغلبية النظام السياسي الصهيوني أن دور العرب في الكنيست ممنوع أن يتجاوز القضايا الحياتية للمجتمع العربي، لأنهم، وفق النظرة الصهيونية، ليسوا جزءا من الدولة، بل أعداء وطابور خامس كما يسميهم المهاجر الروسي، زعيم حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان. 
تعد توصية عشرة أعضاء كنيست عرب بتكليف غانتس لتشكيل الحكومة، باستثناء ممثلي حزب التجمع الوطني الديمقراطي الثلاثة، سابقة، وتراجعا عن الإجماع الوطني في الداخل الذي لا يرى فرقا بين الليكودي بنيامين نتنياهو وغانتس الذي استهل حملته الانتخابية بالتفاخر بأن الجيش الإسرائيلي، قتل، في فترة رئاسته الأركان، العدد الأكثر من الفلسطينيين، ومنهم القائد العسكري في حركة حماس، أحمد الجعبري، والذي تم اغتياله في العام 2012. إلا أن بعض الذين دافعوا عن قرار هذه التوصية يبررونه بأنهم أرادوا إرسال رسالة إلى نتنياهو إنهم قادرون على الرد عليه، وإفشال مشروعه بتحويلهم إلى أقلية ضعيفة وغير مؤثرة، كما يرون في توصيتهم بغانتس محاولةً لإرضاء شريحةٍ تؤيد المشاركة في الحكومة الإسرائيلية، اعتقادا منها أنها ستعالج مشكلات البطالة وتدني الخدمات وضعف البنى التحتية ووقف الجريمة، على الرغم من إجماع الباحثين إن
مؤسسات الدولة مسؤولة عن تفشّي الجريمة، وإن مطالبة بعض العرب بمشاركة الأحزاب العربية في الحكومة يشير إلى التأثير الإعلامي الممنهج والمدروس من المؤسسة الصهيونية ضد القوائم العربية، وادّعاء أنها لا تهتم بقضايا المواطنين العرب في إسرائيل، وتسخر كل اهتمامها بالقضية الفلسطينية، وأنهم يقضون أوقاتهم في رام الله أكثر مما يقضونها في المدن والبلدات الفلسطينية في الداخل، في ظل ضعف الخطاب الإعلامي في الداخل للرد على الخطاب الصهيوني الذي يهدف إلى ضرب القوى الوطنية في الداخل، وإن ما تعرّضت له الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) من حظر، وما يتعرّض له حزب التجمع الوطني الديمقراطي وممثلوه من ملاحقة، أكبر دليل على المشروع الممنهج لضرب الحركة الوطنية الفلسطينية وإفشالها، وتحريض الجماهير العربية ضدها لتفريغ احتقانها ضد القوائم العربية، وليس ضد المؤسسة الرسمية، مقدمة لنزع شرعية حزب التجمع.
على الرغم من توصية ممثلي ثلاث قوى عربية بتكليف غانتس، ورفض حزب التجمع الوطني الديمقراطي وحده ذلك، إلا أن غانتس، وبعقلية استعمارية، تجاوز رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، وتحدث مع رؤساء ثلاثة من الأحزاب المشكلة للقائمة المشتركة بشكل انفرادي لتفكيكها، رافضا الحديث مع مطانس شحادة الذي يرأس الحزب الرابع في القائمة المشتركة. وقالها غانتس إنه لم يطلب دعم كل مكونات القائمة المشتركة، ما يتناقض مع ادعاء بعض رؤساء القوائم العربية الذين حاولوا تبرير خطوتهم بأنها تمت بناء على طلب من غانتس في مقابل خدماتٍ سيقدمها للمجتمع العربي، في حال نجاحه برئاسة الحكومة. كما أن حزب أزرق أبيض يضم قوى سياسية تتبنى مواقف أكثر عدوانية ضد العرب، خصوصا الرجل الثاني في حزب أزرق أبيض زعيم حزب يوجد مستقبل، يائير لبيد، الذي كان قد نعت أعضاء الكنيست العرب بإساءة سخيفة، تعبيرا عن الكراهية تجاه النائبة السابقة عن حزب التجمع في الكنيست، حنين زعبي، وإن لبيد يرى أن باقي أعضاء الكنيست العرب لا يختلفون عن حنين، إضافة إلى أن حزب أزرق أبيض يضم مجموعة من الذين خرجوا من حزب الليكود بسبب خلافات مع نتنياهو، وهم أكثر تطرّفا منه، أمثال وزير الدفاع السابق موشي يعلون وسكرتير الحكومة السابق تسفي هاوزر.
أما إذا كان غانتس يحمل مشروعاً سياسياً، ويحتاج لدعم القوائم العربية، فهذا غير قائم، لأن القضية الفلسطينية قد غابت عن حراك الانتخابات النيابية أخيرا، الأولى والمكررة، واقتصر النقاش على شخص نتنياهو، وعلاقة الدين مع الدولة، بعكس أمر إسحق رابين في 1992، حين كان يحمل مشروع مفاوضات مع قيادة منظمة التحرير، وكان في حاجة الأصوات العربية التي آمنت أيضا في حينه بوجود فرصة لعملية سياسية قد تحقق إنجازا، ثم إن حزب العمل، في ذلك الوقت، وحليفه حزب ميرتس (اليساري)، كانوا يضمون 56 عضو كنيست، أغلبيتهم متفقة على عملية السلام، وإشراك العرب الفلسطينيين في القرار، بعكس الخريطة اليمينية الحالية، حيث يرى أغلبية النظام السياسي الصهيوني في العرب أعداء، وليسوا جزءا من الدولة، ليكونوا شركاء في القرار.
ربما دفعت أطراف فلسطينية وعربية باتجاه أن يدعم نواب الأحزاب العربية غانتس، لإسقاط 
نتنياهو، اعتقادا منهم أنهما مختلفان، وأن غانتس سيعود إلى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وينهي حكم حركة حماس في غزة كما وعد مرارا، مع أن غانتس يتفق مع نتنياهو في رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، وفي القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وبقاء الكتل الاستيطانية، ووجود الجيش الإسرائيلي في الأغوار والحدود والمعابر وفي جبال الضفة الغربية، إلا أن غانتس يفضل الوصول إلى ذلك كله بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية، بعكس نتنياهو الذي لا يرى ضرورة لاتفاق كهذا، من غير الممكن الوصول إليه أصلا.
يخطئ من يعتقد أن حكومة إسرائيلية برئاسة غانتس ستكون شبيهة بحكومة إسحق رابين في 1992، ولكن غانتس يدرك أن الاعتماد على العرب سيقوده إلى مصير رابين حين اغتاله اليمين. وتحدث غانتس أن الأجواء الحالية شبيهة بالأجواء التي سبقت ذلك الاغتيال، من حيث فلتان المستوطنين الأخير في كل أنحاء الضفة الغربية. والمراد منه رسالة إلى غانتس أنه، في حال إخراج الليكود وحلفائه المستوطنين من الحكومة، ستدخل إسرائيل والمناطق الفلسطينية حالة غير مسبوقة من التصعيد الأمني. وقد تنتج عملية التحريض والتسميم التي يمارسها اليمين، وفي مقدمهم بنيامين نتنياهو، من إنتاج نماذج جديدة من المجرم باروخ غولدشتاين، منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل بعيد اتفاق أوسلو بأشهر قليلة، في أثناء حكم رابين، كما قد تنتج نماذج عن إيغال عامير قاتل إسحق رابين. وهذا ما يعيه غانتس جيدا، ويجهله كثيرون من السياسيين الفلسطينيين الذين ينتظرون تغييرات في الخريطة السياسية الإسرائيليّة، مع أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، حيث يتجه المجتمع اليهودي باتجاه اليمين بشكل غير مسبوق، من دون أن يحدث ذلك أي تغيير على سياسات القيادة الفلسطينية.