بوريس جونسون وزيراً لـ"حقوق المسلمات"

بوريس جونسون وزيراً لـ"حقوق المسلمات"

18 اغسطس 2018

بوريس جونسون.. شعبوية وعنصرية وتطرف (18/7/2018/Getty)

+ الخط -
لا يكفي بريطانيا مشكلاتها المتفاقمة في عجزها عن إيجاد مخرج من مأزق "بريكست"، حتى يأتيها طالب السلطة، بوريس جونسون، بجدل النقاب، مشبّها النساء المنقّبات بـ"علب البريد" و"سارقي البنوك"، في مقالة نشرتها صحيفة التلغراف. تحول التعليق إلى مناسبة للجدل السياسي، ومعركة السلطة في حزب المحافظين، في حين أثار ردّات فعل متباينة بين مدافع عنه باعتباره أحد أشكال حرية التعبير ومن وجده تعبيرا عنصريا يجسّد تزايد نفوذ اليمين المتطرّف وتطبيعه في الخطاب السياسي.
لماذا تناول بوريس جونسون القضية في مقالته الأسبوعية؟ هل استخدام الوصف السلبي في المقالة جاء سهوا أو من باب الخطأ؟ هل تحمّس دفاعا عن النساء المسلمات، في حال إرغامهن على تغطية وجوههن بالكامل، من باب الغيرة على حقوق النساء؟ أم أنه ليبرالي أصيل يكره تقييد الحقوق والحريات؟
نقلت وسائل الإعلام البريطانية شهادات لمواطنين وجدوا ما كتبه جونسون عاديا باعتباره يعبر عما يرونه طبيعة الحال. نشرت شهادات قليلة من نساء عربيات تحدّثن عن معاناة ارتداء 
النقاب، وما يعنيه من تقييد لحريّة الحركة، وخضوعهن لسلطة المطوّعين في السعودية. نالت المقالة قسطا واسعا من رسائل التأييد من قرّاء، لكن القصة ليست تعليق بوريس جونسون. منذ سنوات، تحولت صورة المرأة المغطاة بالكامل إلى الحجّة الأكثر نفوذا لدى دعاة "تخلف" العرب والمسلمين من الجمهور العريض لليمين المتطرّف، وهم غالبا لا يعرفون سوى القليل عن هذا العالم غير كرهه. لا يعكس تركيز هؤلاء على نقاب النساء اهتماما بحقوق النساء المسلمات، بل الحاجة إلى نمط مقولب، يؤكد تفوّق الغرب وصواب التحذير من نتائج ما يسمّى التعدّد الثقافي على القيم الغربية. في الجانب المعاكس من النقاش، لا يريد أنصار اليسار الراديكالي أن يسمعوا عن تقييد لحريات النساء في العالم الإسلامي، والجواب الجاهز دوما: ماذا عن مشكلات النساء في الغرب؟ وفي ذلك تغاضٍ عن الحريات الكبيرة للنساء في الغرب، وحقيقة عدم امتلاك النساء أجسادهن بالكامل في العالم الإسلامي.
هل يمثل ارتداء النساء النقاب في الغرب خيارا شخصيا؟ قد يكون اختيار بعض النساء في الغرب ارتداء النقاب مسألة شخصية، وقرارا حرّا بالكامل. وقد يكون، في حالات أخرى، وسيلة للتعبير عن انتماءٍ إلى هوية، في ظل التهميش المتزايد لأبناء الأقليات، والحاجة إلى معنى ما لوجودهم في المجتمعات المضيفة. وقد يكون انصياعا لقوانين العائلة أو الزوج أو البيئة المباشرة، حيث تطبق المجموعات الإتنية طقوسها، وتفرضها على أبنائها الذين يعيشون تجاذبا بين هويتين. خيار شخصي أم لا؟ المهم أن بوريس جونسون وأنصاره لا يهمهم أن يعرفوا شيئا عن واقع حال هؤلاء النساء، بل فقط استخدامهن في التلاعب والتلاسن السياسي.
حوّل استخدام الخطاب المهيج لغرائز اليمين المتطرّف هؤلاء النساء إلى الهدف المفضل للاعتداءات في الشارع، بعد تفاقم أشكال العداء للاختلاف، إثر التصويت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي من الإسلاموفوبيا إلى التمييز العنصري، على أساس اللون ومعاداة السامية.
وكانت إحصائيات وزارة الداخلية أشارت إلى ارتفاع نسبته 29% في العالم 2017 لجرائم الكراهية في إنكلترا وويلز. وأشار تقرير أخير للجمعية الحقوقية (Tell Mama) إلى ارتفاع حجم الاعتداءات على النساء المحجّبات، خصوصا في العام الماضي، على يد شبّان مراهقين في الغالب، بفعل الهجمات الإرهابية على بريطانيا والخطاب السياسي. سجلت المنظمة نفسها اعتداءاتٍ على نساء منقبات، أو حتى محجّبات، في الأيام التي تلت تعليق بوريس جونسون.
لم يوجه جونسون (وأمثاله من المدافعين الأشاوس عن حقوق الإنسان) "نقده" ضد الأنظمة 
التي تفرض الحجاب عنوة على النساء. كما لم تصدر عنه أي انتقاداتٍ للانتهاكات المتفاقمة لحقوق الإنسان من مصر إلى السعودية، وغيرهما من حلفاء بريطانيا في العالم العربي عندما كان وزيرا للخارجية. هل اعترض مثلا على سجن المناضلات السعوديات من أجل الحق في قيادة السيارة وإلغاء نظام الولاية؟ لا تعدو "نكتة" بوريس السمجة أن تكون تماهيا مع خطاب الزعيم الروحي لليمين المتطرّف، ستيف بانون، وخطته استقطاب الرأي العام الأوروبي، عبر تيار شعبوي يميني جارف، يستخدم خطابا غرائزيا يخاطب رجل الشارع الأبيض. في لقائه أنصار اليمين المتطرّف الفرنسي، خاطب بانون أنصار الفرنسية المتطرّفة، مارين لوبان، قائلا: سوف يتهمونكم بالعنصرية. ضعوا ذلك وساما على صدوركم. وبوريس جونسون أكثر من يستحقّ منصب الذراع اليمنى لبانون، عبر تطبيع خطاب ليبرالي في شكله، عنصري في مضمونه.
دعوا مسائل النساء ومشكلاتهن لهن، للنساء المناضلات من أجل حقوقهن من تونس إلى السعودية إلى لبنان. للجمعيات والمنصّات التي صنعوها لأنفسهن. لا يمكن أن يكون ارتداء النقاب غير تقييدي لحركة النساء، كما لا يمكن أن يساعد في اندماج هؤلاء في مجتمعاتهن، بل إنه يساهم في مزيد من عزلتهن، إلا أن إخراج نقاش النقاب ومعانيه بالنسبة للنساء المسلمات في الغرب من إطار النقاش المنطقي إلى صخب شعبوي يحوّل هؤلاء النساء إلى مناسبة للسخرية في المجال العام أمرا خطيرا، لا يمكن أن يكون من باب الدفاع الصادق عن حقوق النساء في تقرير ما يرتدينه. الأهم من هذا الصخب فهم كيف تحوّل ارتداء النقاب لدى فئة غير قليلة من المولودات في الغرب إلى مسألة هوية في علاقة حب وكراهية بمجتمعاتهن.
ربما شعرت بعض النساء المسلمات بالتضامن مع خطاب بوريس جونسون انتقاما من قمع عانين منه في إلزامهن ارتداء الحجاب أو النقاب. ربما وجدت مجموعاتٌ في الرأي العام العربي "نكتة" جونسون مضحكةً ومشابهة لما تنشره في الإنترنت، من تصوير تحقيري لهؤلاء النساء من تونس إلى لبنان إلى مصر عبد الفتاح السيسي. بعيدا عن الاستخدام السياسي للنقاب، تحية لهؤلاء المدافعات عن حرية النساء في اختيار ملبسهن، بمعزل عن الصخب الشعبوي، وأولهن نساء إيران في معركتهن ضد الحجاب الإلزامي، حيث ينزعن حجابهن علنا في الساحات العامة، ويلوّحن به أمام العالم للتذكير بحريتهن المسلوبة. لم يذكر بوريس جونسون هؤلاء، وقد لا يكون قد سمع عنهن.
A6CF6800-10AF-438C-B5B5-D519819C2804
فاطمة العيساوي

أستاذة لبنانية في جامعة إيسيكس البريطانية. ترأست بحثا في تأثير عملية الانتقال السياسي على الإعلام المحلي في دول الثورات العربية. صحافية مستقلة ومدربة وخبيرة في التشريعات الاعلامية في العالم العربي.