الطريق إلى قرطاج.. مفتوحة

الطريق إلى قرطاج.. مفتوحة

17 يوليو 2018

حافظ السبسي وراشد الغنوشي

+ الخط -
عندما جلس الباجي قايد السبسي على كرسي الرئاسة في تونس، أدركت جميع الشخصيات السياسية الطامحة أن عليها الانتظار قليلا، عسى أن يفشل الرجل في القيام بمهامه، لكي تستعيد الأمل في فرصةٍ موالية. اليوم حانت هذه الفرصة من دون أن يتوفر البديل المقنع.
منذ أشهر طويلة، وسؤال يردده كثيرون: هل سيعيد الرئيس الترشح لولاية ثانية، أم ينوي الترجل ومغادرة الحكم من الباب الكبير؟ يمثل هذا السؤال أحد المفاتيح الرئيسية لاستشراف المرحلة المقبلة من تجربة الانتقال السياسي في تونس. وقد نجح السبسي في إبقاء الجميع في حالة ترقب، لا يستطيعون النفي أو الجزم. ويعود ذلك إلى قدرته على التواصل، وتوجيه الآخرين وإرباكهم.
اليوم اختلف الوضع عما كان عليه. صحيحٌ لم يصدر أي تصريح رسمي يعلن بوضوح أنه لا ينوي تجديد العهدة الرئاسية، وقد تمسّك في حواره الذي أدلى به يوم الأحد بالقول إن مسألة ترشحه سابقة لأوانها، لكن مع ذلك يمكن القول إن سيناريو عدم التجديد بات اليوم الأكثر احتمالا.
يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات دستورية هامة، لكنها تبقى مقيدةً، ولا تسمح له بالتحكم في مفاصل الدولة. على الرغم من ذلك، تمكن السبسي من اختراق الحدود التي توافق عليها واضعو الدستور، وأصبح المحور الرئيسي للسلطة التنفيذية والملجأ الأساسي لكل ما يتعلق بالشأن العام.
يعود ذلك إلى أسباب عديدة، لعل من أهمها الثقل التاريخي الذي يتمتع به، وتجربته السياسية داخل أجهزة الدولة وخارجها، والتي تمتد إلى مرحلة استقلال البلاد، إلى جانب نجاحه في تأسيس حزب نداء تونس الذي تمكّن في انتخابات 2014 من احتكار رئاسات الحكومة والجمهورية والبرلمان. كما نجح السبسي في إقامة "علاقة خاصة" برئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي. وقد ساعدته هذه العوامل كثيرا في أن يصبح سيد الموقف، خصوصا في مرحلة تفكّكت فيها أطراف المعارضة، وغابت عن المشهد شخصيات اعتبارية، قادرة على منافسته شعبيا وسياسيا.
حان الوقت للتفكير بطريقة مغايرة. لا شك في أن عامل السن سيجعل السبسي يفكر بمسؤولية عالية، وهو الذي عايش عن قرب النهاية السياسية لمثله الأعلى الحبيب بورقيبة، فرجلٌ في وزنه وخبرته لا يرضى لنفسه ولشعبه أن يتحوّل إلى عقبة أمام بناء نظام سياسي ديناميكي ومستقبلي، وأن يصبح، في لحظة ما، محل تأثير الأقرباء وأصحاب المصالح والأهواء، مثلما حصل مع بورقيبة عندما فقد البوصلة، على الرغم من حجم المكاسب التي حققها لتونس.
كما فكر السبسي في إعادة التوازن السياسي في البلاد، هو مدعو اليوم إلى أن يترك تونس في وضع يسمح لها بأن تواصل الطريق، وإنْ بصعوبة، نحو ديمقراطيةٍ ناشئةٍ، لكنها قابلة للحياة والصمود.
يمكن القول، بشيء من الجزم، إن الرئيس السبسي شرع في ترتيب أوراقه، قبل رحيله السياسي. وبذلك يضع الجميع أمام مسؤولياتهم. كما أنه، بقرار من هذا الحجم، ألغى نهائيا سيناريو التوريث الذي أزعج التونسيين كثيرا، منذ كثر الحديث عن طموحات نجله في القيام بأدوار متقدمة جدا في إدارة الدولة.
ومن شأن هذا القرار أيضا أن يدفع حركة النهضة نحو البحث عن بديل، وذلك بحكم أنها ستكون الأكثر استهدافا في المرحلة المقبلة، فهي تخشى من أن تجد نفسها في وضعٍ يؤلب عليها الخصوم، ويثير شكوك الغربيين فيها، وفي نواياها.
من شأن عدم ترشّح السبسي أن يضع الحكومات الأوروبية والغربية أمام مرحلةٍ جديدةٍ غير واضحة المعالم. لقد استمد الغرب ثقته في تونس، انطلاقا من ثقته في شخص السبسي، وفي قدراته وجديته وفي وزنه. أما بالنسبة للآخرين فهو أمرٌ يتفاوت من طرف إلى آخر. ما يهم الغرب الآن هو البحث عمن يجد التوازن مع الإسلاميين في سياق ديمقراطي، لا في سياق حربي.
فتح الطريق نحو قرطاج، ومعه قد يتراجع منسوب الثقة في القدرة على اختيار الأفضل، لكن تونس ليست عقيمة، والتعلق بالأشخاص دليل على العقم الفكري، فالشعوب أكبر من الأفراد.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس