الرئيس التونسي في وادٍ آخر

الرئيس التونسي في وادٍ آخر

02 مارس 2024
+ الخط -

تشهد تونس حراكاً سياسياً معارضاً للرئيس قيس سعيّد بعد فترة من الركود، دفعت مراقبين إلى التساؤل عن مصير المعارضة، والحكم عليها بالاندثار بعد أن كاد نبضُها يتوقف... في هذا السياق، تصدّرت أخبار المساجين السياسيين المشهد العام. ويعود ذلك إلى عدم البتّ قضائيا في التهم الخطيرة الموجهة إليهم، والمتعلقة بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي. لم يسمعهم حاكم التحقيق إلا مرّة منذ اعتقالهم قبل سنة، ولم تثبُت إدانتهم، وهو ما دفعهم إلى شن إضراب عن الطعام، وأصدروا بيانا للمطالبة بالبتّ في قضيتهم وإطلاعهم على "الحجج والأدلة" التي بمقتضاها جرى وضعهم كل هذه الفترة في السجن. أما السبب الثاني الذي حرّك هذا الملفّ فهو المشهد الرمزي الذي جسّدته زوجات المعتقلين وأبناؤهم. إذ بعد عرض شهاداتهن عن ظروف اعتقال أزواجهن وأسبابه، غادرنَ مقرّ الحزب الجمهوري وهنّ مكمّمات الأفواه ومقيدات الأيدي بالسلاسل، وتوجّهن نحو واجهة المسرح البلدي في شارع الثورة (شارع الحبيب بورقيبة) في صمت جنائزي. مشهد مؤثر ومعبّر لم تعرفه تونس من قبل.

من جهة أخرى، عقد حزبان مؤتمريهما أخيراً: "تونس إلى الأمام" الذي أسّسه عبيد البريكي، الرفيق السابق لشكري بلعيد، والذي رغم مساندته النقدية مسار "25 جويلية" (25 يوليوم تموز 2021)، الا أنه بقي يشكو من التهميش وعدم التجاوب مع "الإصلاحات "التي لا يزال يدعو إليها. ويتعلق المؤتمر الثاني بحزب العمل والإنجاز الذي يتشكّل أساسا من كوادر سبق لها الانخراط في حركة النهضة قبل إعلان استقالتهم وتأسيس حزب محافظ مستقل. ولعل أهم ما ميّز مؤتمرهم التأسيسي إتاحة الفرصة لطيفٍ واسع من المعارضين للرئيس قيس سعيّد، ندّدوا بسياساته واعترضوا من جديد على ما اعتبروه انفرادا بالسلطة، وسعياً منها إلى تجريم المعارضة والتضييق عليها بمختلف الوسائل.

الجميع منشغلون بالانتخابات الرئاسية التي ستجرى في شهر سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الأول. ورغم أن حركة النهضة سبق لها أن أعلنت، في تصريح أمينها العام، العجمي الوريمي، أنها غير معنيّة بترشيح أحد كوادرها في هذه الانتخابات، وكل ما تطالب به أن تجرى في كنف النزاهة والشفافية، إلا أن الجدل متواصل بشأن الأدوار التي يمكن أن تقوم بها في اختيار مرشّح المعارضة في حال عدم المقاطعة، فأحمد نجيب الشابي يعتبر الرئاسيات محطّة انتخابية هامة لا يمكن القفز عليها، لكنه يدرك أن المناخ السياسي لا يساعد على ذلك، نظرا إلى تعدّد العوائق التي من شأنها الحيلولة دون مشاركة ذوي المصداقية والكفاءة. حتى رئيسة الحزب الدستوري الحرّ، عبير موسي، ألقي بها في السجن، وفي حال إدانتها ستجد نفسها خارج السباق الرئاسي الذي كانت تتهيّأ للمشاركة فيه وتعد أنصارها بـ"الفوز الكاسح".

في هذا السياق، تعدّدت المبادرات والاقتراحات. دعا المعارض محمد عبّو إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية، بشرط ألا يستعمل رئيس الجمهورية القضاء ضد منافسيه، وألا يستغل الأوضاع ليفرض شروطا جديدة للترشّح والمشاركة، لكن اقتراحه لم يلق الترحيب في أوساط المعارضة. وتقدم رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، عياشي الهمامي، بمبادرة في سبع نقاط، دعا فيها المعارضة إلى استثمار الانتخابات الرئاسية المقبلة للقيام بنقدٍ ذاتي، وأن يتحّد طيف واسع من المعارضة السياسية ومكوّنات المجتمع المدني حول مرشّح واحد أو مرشّحة يتمّ اختياره بعد صياغة "أرضية الحدّ الأدنى الديمقراطي الاجتماعي المشترك" تتضمّن برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مشتركا، ويخوض مسارا نضاليا نحو الانتخابات.

يحاول المعارضون لقيس سعيّد البحث عن صيغة تمكّنهم من تجاوز المأزق الذي يتخبّطون فيه منذ 25 جويلية. في حين يواصل رئيس الدولة محاصرتهم بمختلف الوسائل والأدوات التشريعية والقضائية. لا يسمعهم ولا يهتم بهم ولا يحاورهم. يسير في خطٍّ مستقيم نحو محطّة واحدة، تنظيم انتخابات يكون هو محورها والأكثر حظّا للفوز فيها بدورة ثانية تستمر خمس سنوات لاستكمال بناء نظامه القاعدي.