الأردن تحت الإضراب

الأردن تحت الإضراب

10 يونيو 2018
+ الخط -
انتباه: الأردن تحت الإضراب، وحريّ بنا أن نصغي إليه.
بداية، علينا الاعتراف أن هذا الإضراب يمثل منعطفًا حادًّا، وسابقةً لم يعشها الأردن منذ عقود طويلة، لعدة أسباب، منها أن الداعين إليه يمثلون سائر القطاعات المهنية والعمالية والاقتصادية، فهي المرة الأولى التي ينخرط فيها أرباب العمل مع عمّالهم في هذا الإضراب. وثانيًا لأن الإضراب موجّه ضد الحكومة وسياساتها الاقتصادية التي أوصلت المواطن إلى مرحلة الاختناق، بكل ما تحمله المفردة من معنى، أي أن الإضراب ينطوي على بعدٍ سياسي، وإن تغلف بقشرة القضايا المطلبية المعروفة، وفي مقدمتها سحب مشروع قانون الضريبة المثير للجدل.
أكبر محرك للإضراب، في رأيي، هو شعور المواطن الأردني بالخديعة، خصوصًا وهو يستمع إلى المبررات الرسمية التي تساق عند كل قرار حكومي برفع الأسعار، من قبيل "الظرف الإقليمي الصعب"، و"الثمن الذي علينا أن ندفعه لقاء مواقفنا المبدئية"، و"للحفاظ على "كرامتنا".. إلى آخر تلك الشعارات التي باتت لازمةً في محاولة التخفيف من حدّة هذه القرارات الاقتصادية الجهنمية التي لم تعد تطاق.
يشعر الأردنيون بالغبن، لأن تلك الشعارات لم تعد تنطلي عليهم، خصوصًا حين يجدون أنفسهم يدفعون ثمن "كرامةٍ وطنيةٍ"، لا وجود لها على أرض الواقع، بدليل أن بلدهم ما يزال خاضعًا لمعاهدة سلام مع عدوهم، وهي التي قيل عن "ثمراتها" و"خيراتها" الكثير قبل توقيعها، حتى ظن سذّجٌ أنه ما إن يتم التوقيع حتى تمطر السماء ذهبًا وفضة على رؤوسهم، غير أن الحصاد جاء وبالًا على نوافيخهم، فارتفعت الأسعار، وزاد الاختناق، ولم يستفد من المعاهدة سوى إسرائيل ذاتها التي لم تحترم حتى دماء الأردنيين في عقر عاصمتهم، فشعر الأردنيون أنهم لا يدفعون ثمن "كرامتهم" بقرارات حكوماتهم الاقتصادية، بل ثمن "ذلّهم" ومعاهداتهم مع المحتل.
وفي مبررات "اللجوء السوري" التي ساقتها الحكومة كقميص عثمان، منذ اندلاع ثورة الربيع في سورية، إلى الحد الذي ظهر فيه الأردن بلدا متسولا على أبواب الأمم المتحدة والدول المانحة، شعر الأردنيون بالغبن، أيضًا، لأن اللجوء توقف منذ مدة، وعاد لاجئون كثيرون إلى بلدهم. أما ارتفاع الأسعار فلم يتوقف، وهو ما جعل الأردنيين على قناعةٍ بأن رفع الأسعار خطوة حكومية مبيتة، لم تكن تبحث إلا عن مسوغ، وصدف أن جاء اللجوء السوري ليكون المشجب.
والحال أن الأردنيين لا يتورعون عن دفع الثمن، إذا شعروا أن المقابل يستحقه، خصوصًا ما يتعلق منه بالكرامة، ففي العام 1991، غداة العدوان الثلاثيني على العراق، تحملوا ضنكا كثيرا ثمنًا لمواقفهم المبدئية في إدانة هذا العدوان، ولم يبالوا بالحصار الذي فرض عليهم، بل استجابوا، بكل رحابة صدر، لقرارات ترشيد استهلاك الطاقة، فكانوا يمتنعون عن استخدام سياراتهم، ويقننون استخدام الكهرباء، وتحملوا طرد عشرات آلاف من دول الخليج، من دون أدنى تبرّم أو احتجاج؛ لأنهم كانوا يشعرون، فعلًا، أنهم يدفعون ثمن كرامتهم، وموقفهم.
أما اليوم، فيضرب الأردنيون، لأنهم لم يعودوا مستعدين لدفع ثمن ذلهم، بعد أن قبلت حكومتهم بكل إملاءات صندوق النقد الدولي التي فرضت عليها، وبشروط الخصخصة، ودخلت أحلافًا عسكرية لمحاربة الإرهاب، نيابة عن بعض دول الخليج والغرب وأميركا، من دون أن تتلقى مساعداتٍ مجزيةً من أحد.
ويضرب الأردنيون، لأنهم يرون القدس تسحب من تحت وصايتهم، بقرار أميركي صلف، من دون أن تتخذ حكومتهم موقفًا صلبًا يضاهي بشاعة هذا القرار.
ويضرب الأردنيون؛ لأنهم باتوا يشعرون أن أنشوطة الأسعار التي تخنقهم ليس القصد منها إنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار، بل لأسبابٍ مبيتةٍ، عنوانها تمرير "صفقة القرن"، بعد أن يصل المواطن الأردني إلى مرحلة الانسحاق المعيشي التام، وهذا هو مربط الفرس الحقيقي الذي يقف خلف كل القرارات الاقتصادية الخانقة المتخذة بحقه.
باختصار، طرح الأردنيون قفّاز التحدي، ودخلوا مرحلة المواجهة المباشرة مع حكومتهم، ولا أعتقد أنهم سيتراجعون هذه المرة.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.