أزمة فعلية أم مفتعلة في تونس؟

أزمة فعلية أم مفتعلة في تونس؟

26 يونيو 2018

علم تونس على سارية في احتفال بعيد الاستقلال (20/3/2017/الأناضول)

+ الخط -
ما زال المشهد السياسي التونسي يراوح مكانه، منذ إعلان رئيس الجمهورية، الباجي السبسي، تعليق التفاوض بين القوى المختلفة، في إطار وثيقة قرطاج الثانية. والمعلوم أن محور الخلاف يرتبط أساسا بطبيعة التغيير الحكومي المقبل، وتحديدا بقاء رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد.
ويمكن القول إن الأزمة السياسية الحالية، على الرغم من حدّتها، لا تخلو من افتعال، ومن الصبغة الشخصية في الصراع السياسي، وهما حالتان مترابطتان، كما تكشف عنه الوقائع، فالمدير التنفيذي لحزب نداء تونس (الحاكم)، حافظ السبسي، لا يخفي نزعته الاستحواذية، ورغبته الشديدة في إزاحة يوسف الشاهد الذي ساهم هو نفسه في وصوله إلى المنصب الحالي سنة 2016. وبما أن الأخير قد أبدى نوعا من النزوع نحو إثبات الذات، والخروج عن هيمنة مدير الحزب وابن الرئيس حافظ السبسي، فقد أصبح رأسه مطلوبا، بغض النظر عن مسألة الفشل في الأداء الحكومي التي هي واقعيا سمة مميزة لوزراء "نداء تونس" في الحكومة الحالية. ولأن هذه الحكومة خاضت صراعا واضحا ضد النقابات وإضراباتها المتكرّرة، ورغبة في السير نحو إيجاد توازناتٍ جديدةٍ بين القوى السياسية من جهة، والمنظمات الاجتماعية النافذة من جهة أخرى، فقد اجتمع عليها خصومها، ويعني هنا تحديدا حافظ السبسي والأمين العام
لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي. غير أن ما زاد في تأزيم المشهد، والسير به نحو الانغلاق، هو غياب التوافق بين القوى السياسية حول شخصيةٍ يمكنها تولي منصب رئاسة الحكومة من جهة، وغياب إمكانية التوجه نحو مجلس الشعب لطلب حجب الثقة عن الحكومة الحالية، في خطوةٍ دستوريةٍ لازمة، إذا لم يتم الإجماع بين القوتين الحزبيتين الأهم (حركة النهضة ونداء تونس) على خيار موحد.
ويدرك يوسف الشاهد أن خصومه غير قادرين في الوضع الحالي على إقالته، وهو ما يجعله يتصرّف بشكل من التحدي، واتخاذ خطواتٍ قوية، لعل أهمها إقالة وزير الداخلية الذي دارت حوله نقاط استفهام كثيرة في الفترة الماضية. ويبقى رئيس الجمهورية الصامت الأكبر، حيث لم تظهر منه إلى حد اللحظة بوادر الانحياز إلى أي من طرفي الصراع. ولم يكن غريبا أن تنطلق دعواتٌ تطالب الرئيس باللجوء إلى الفصل 99 من الدستور الذي ينص على أن "لرئيس الجمهورية أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة، في مواصلة الحكومة نشاطها لمرتين خلال كامل المدة الرئاسية"، غير أن الاعتماد على هذا الفصل قد يفضي إلى نتائج مختلفة، حيث تمكن إقالة الحكومة في صورة فشلها في نيل ثقة المجلس، ولكن الحكومة الجديدة ينبغي أن تتشكل في غضون 30 يوما. وفي صورة العجز يكون الرئيس ملزما بحل مجلس الشعب، والدعوة إلى انتخابات مبكرة. والحالة الثانية هي التي يرفض فيها المجلس حجب الثقة عن الحكومة مرتين متتاليتين، ما يعني آليا استقالة رئيس الجمهورية. ومن هنا نفهم حالة الحذر التي يبديها رئيس الجمهورية في التجاوب مع دعوات تفعيل هذا الفصل، حيث اعتبر أحد مستشاري الرئاسة في تدوينةٍ على صفحته في "فيسبوك" أن دعوات بعضهم إلى الرئيس، ونصائحهم له بتفعيل الفصل 99 من الدستور، هي محاولة لزج الرئيس في معارك حزبية رديئة لن تجدي نفعا. وهو موقف أثار حفيظة حافظ السبسي الذي رد بتأكيد أن هذا موقف شخصي للمستشار في الرئاسة، وأنه لا علم للرئيس بفحوى التدوينة المذكورة.
وفي ظل هذه التجاذبات، يظل الوضع السياسي على ما هو عليه، في انتظار إيجاد توافقات ممكنة لتحريك المشهد، على الرغم من أن الأزمة الحالية، في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن حلها بتغيير رئيس الحكومة، فقد جرّبت تونس ثماني حكومات متتالية، ولم تتغير الخيارات الاقتصادية. ومن هنا جاء الحديث عن أزمة سياسية مفتعلة، الغاية منها التخلص من يوسف الشاهد ليس أكثر، بشكل قد يحوّل المشهد السياسي إلى نوعٍ من العبثية السياسية، المفتقرة إلى أدنى حد من العقلانية، فلا يمكن بحال تبرير التلاعب بالحكومات لمجرد اعتبارات شخصية، أو لتصفية حسابات سياسية، تلعب فيها المنظمات الاجتماعية دورا مبالغا فيه، فيما يتم إلغاء دور الأحزاب السياسية المفترض أن تكون المتصدّر الحقيقي للمشهد، وصاحبة القرار في تحديد الخيارات التي تتحرّك ضمنها البلاد. ولأن الانتخابات الرئاسية والنيابية أصبحت على مرمى حجر (سنة 2019) فإن تخليق الأزمات لن ينفع أصحابه في إقناع الشارع للعودة إلى مواقع الحكم، بل إن السلوك الاعتباطي الذي يبديه حزب نداء تونس، بقياداته الحالية وتحالفاته المترحّلة، أوجد نوعا من السلبية في وعي الرأي العام، في موقفه من السياسيين، ومن العملية الانتخابية برمتها.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.