اتحاد الشغل التونسي حزباً معارضاً

اتحاد الشغل التونسي حزباً معارضاً

09 مارس 2018
+ الخط -
يعرف المشهد السياسي التونسي حربا باردة حقيقية بين الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد، حيث حافظ الأول على خطابه السياسي الهجومي تجاه الحكومة، لا سيما في افتتاح مؤتمر للاتحاد الجهوي أخيرا، حين قال الاتحاد أكبر منكم ونحن أصحاب حق في هذه البلاد" و".. نحن لا ننازعك في صلاحياتك، ولا صلاحيات أي مؤسسة دستورية.. والمسؤول المحنك والسياسي الناجح مطالب بأرقام ونتائج، وعندما أنظر وأتمعن في كل نتائج اليوم للأسف الشديد أجدها كلها سلبية".
ويعود جوهر الخلاف بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة يوسف الشاهد إلى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حين أبرم الطرفان اتفاقًا يلتزم فيه الاتحاد بمواصلة دعم الحكومة وعدم التشويش على قانون المالية لسنة 2018، في مقابل تعهد الحكومة باحترام خطوط الاتحاد الحمراء، ولا سيما منها عدم الزيادة في أسعار المواد الأساسية وعدم خصخصة مؤسسات القطاع العام.
تراجع الشاهد عن الاتفاق، عندما فكر في تجاوز أحد الخطوط الحمراء، عبر بيع بعض مؤسسات القطاع العام (شركة التبغ وبنك الإسكان) على أساس المحاباة والولاءات، والتي ألحقت ضررًا بها، فقد وضع الاتحاد العام التونسي للشغل أمام الحكومة خطوطاً حمراء، في ما يتعلق بالمحافظة على القطاع العام، رافضًا الشراكة مع القطاع الخاص، ومنتقدًا، في الوقت عينه، التعيينات والتسميات التي تمت في عدد من مؤسسات القطاع العام، مؤكدَا على ضرورة انتهاج سياسة الحوكمة الرشيدة.
ليست الأزمة بين الجانبين في انتماء يوسف الشاهد البورجوازي، واعتناقه العولمة الليبرالية في الاقتصاد، بل مشكلة الاتحاد تحديدا مع الأحزاب التي تمارس "المراهقة السياسية" والأطراف 
التي تزيّن الخصخصة، وهذا ما جعله يدعو، أخيرا، إلى ضرورة ضخ كفاءات ودماء جديدة في الحكومة وفي أجهزة الدولة، ليرّد عليه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في حوار تلفزي، إنّه لا يعتزم في الوقت الحاضر إجراء تعديل وزاري، والذي من صلاحياته هو فحسب.
هناك شبه إجماع لدى تكوينات المجتمع المدني في تونس على أن الصراع الحقيقي في تونس هو بين سياسة الاتحاد الرافضة للخصخصة والأطراف السياسية التي تدفع الشاهد نحوها، ولا سيما من الحزبين الكبيرين، نداء تونس والنهضة، وحزبي آفاق تونس والوطني الحر، الشريكين في الائتلاف الحاكم، بينما لا يزال الاتحاد العام التونسي للشغل يلعب دور الملجأ للمعارضة الديمقراطية التي تستجير به من هيمنة الأحزاب المدافعة عن الخصخصة والاندماج في نظام العولمة الليبرالية من موقع الطرف التابع والضعيف للدول الغربية والمؤسسات الدولية المانحة.
والحال هذه، ارتفع التوتّر أكثر بين حكومة يوسف الشاهد والاتحاد العام التونسي للشغل، بسبب دور الإنابة الذي بات يقوم به الاتحاد، نيابة عن الأحزاب المعارِضة، العاجزة عن لعب دورها. إذ قرّر الاتحاد أن يلتزم إلى جانب المجتمع المدنيّ والشعب التونسي بتنوعّاته، ليس من أجل 
الدفاع عن جماهير الطبقات الفقيرة والوسطى وحسب، بل عن الجمهوريّة ومؤسّساتها بنوعٍ خاص. هكذا يتقدّم اتحاد الشغل دفاعاً عن مؤسسات القطاع العام، وبما أن تونس تعيش حاليا مخاض ثورةٍ ديمقراطيةٍ عميقة، وهي بصدد بناء نظامها الديمقراطي الجديد الذي قوامه بناء دولة الحق والقانون، وإقامة تعدّدية سياسية حقيقية، وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة، فإن الاتحاد ازداد دوره النقابي والسياسي في زمن الانتقال الديمقراطي، على الرغم من أنّ المدافعين عن العولمة الليبرالية كانوا يعتقدون أن الاتحاد سيفقد وزنه السياسيّ لسببين رئيسيين: تراجع دور النقابات في العالم مع تضاؤل حجم القطاع العام في ظلّ العولمة الليبرالية، وبروز الأحزاب السياسية في مرحلة الانتقال الديمقراطي، ما سيخطف من الاتحاد دور الملجأ، بعدما كانت الجماعات السياسية المختلفة تستجير به من جبروت السلطة.
ومنذ انخراطه في الثورة التونسية، عمل الاتحاد العام التونسي للشغل على محو الحقبة السوداء التي عاشها في ظل حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، واستعادة عافيته، وتوسيع قاعدته، بوصفه القوة الوازنة الرئيسة في البلاد التي استقطبت حوله ليس المنظمات الأهلية فحسب، وإنما أيضا غالبية الأحزاب الصغيرة. وباتت هناك مواجهة بين خطابَين متماسكَين في تونس. مؤيّدو الحكومة من اليمين الليبرالي واليمين الديني يرون أنّ الاتحاد يجري التلاعب به وتوظيفه من بيروقراطيّته لأهدافٍ حزبيّة فئوية صرف، في حين أن من الأنفع له أن يكتفي بلعب دوره النقابي. أمّا المعارضون لنظام الخصخصة والعولمة الليبرالية في الاقتصاد فيقولون إنّ على الاتحاد أن يكون مستقلاًّ، ويتدخّل بشكلٍ فعّال في الحياة السياسية كسلطة مضادة، فيما بات الرأي العام في تونس يتعاطى مع الاتحاد العام للشغل كما لو أنه يتوجه إلى طرفٍ سياسي معارض، ولعله كان مُدْرَكاً، كما أدرك الذين من قبله أنّ الاتحاد لا يقرأ فقط من زاوية نقابية، فهو طرف اجتماعي يختزن مجموعات ضغط سياسي، وتنويعات أيديولوجية، وناشطين حزبيين يساريين تمرّسوا في ساحات النضال النقابي المطلبي، وهذا كله يجعل من الاتحاد أحد الأطراف المفاتيح في أي معادلة توافق واستقرار، كما في أي ترتيب سياسي محتمل.

E8457B4F-E384-4D2B-911B-58C7FA731472
توفيق المديني

كاتب وباحث تونسي، أصدر 21 كتاباً في السياسة والفكر والثقافة