شذرات إدمون جابس

شذرات إدمون جابس

08 مارس 2018

إدمون جابس: لم يخطر في بالي العيش في إسرائيل

+ الخط -
عن إسرائيل، جنة الأوهام والميثولوجيا، يتحدث إدمون جابس (1912 – 1991) في شذراته التي ترجمها حديثا الكاتب والمترجم بشير السباعي، تحت عنوانين (أغنية للغريب) و(أصوات فرانكفونية مصرية)، حيث يقر إدمون في شذراته: "إن فكرة الذهاب للعيش في إسرائيل لم تخطر ببالي قط. ولعل ما وراء ذلك هو شيء أعمق بكثير، شيء يجري تناوله باستمرار في كتبي، وهو كرهي الأصيل لكل انغراس. إن لدي انطباعا بأنه لا وجود لي إلا خارج كل انتماء. وانعدام الانتماء هذا هو جوهري ذاته. ولعلني لا أملك ما أقوله غير هذا التناقض الأليم: إنني أطمح ككل إنسان إلى مكان، إلى دار، ولا يمكنني، في الوقت نفسه، أن أقبل المكان الذي يعرض نفسه عليّ". فالمكان هو اختيار أعمق من كل دعاية أو عنصرية. اختيار المكان هو فعل حرية لكل إنسان، بعيدا عن أوهام الميثولوجيا والعنصرية وجنة إسرائيل الموعودة.
ويكمل إدمون جابس في شذراته: "كل ما أعرفه أن الوحدة، بحكم قوة الأشياء، قد أصبحت القدر العميق لليهودي. ودولة إسرائيل، ليس فقط لا تنهي هذه الوحدة، بل إنها، أحيانا، تزيد من حدّتها".
الغريب في الأمر أن إدمون جابس مصري من أصول يهودية، ونشأ في القاهرة، لكن الريف المصري ظل يمثل ركنا خاصا في وعيه ونظرته إلى الأشياء ولمصر خصوصا، على الرغم من أنه كان من عائلة أرستقراطية، إلا أن ولاءه الروحي كان لريف مصر، ولفلاحها ولفلسفة هذا الفلاح وألفته الحميمة مع متشابهات الأشياء والمشاهد في المكان دونما ملل، على الرغم من أنه كان يجهل العربية تماما، بحكم ثقافته الفرنسية، باستثناء بضع كلمات. وكان إدمون أيضا رحّالة في الصحراء، فقد قام برحلة في سنة 1939 إلى صحراء سيناء، مع صديقه موسكاديلي.
غادر إدمون جابس وطنه مرغما في سنة 1957، بعد تأميم قناة السويس، ولعل أهم كتبه كما ذكر هو "كتاب الأسئلة" بأجزائه السبعة.
"أن نتساءل هو أن نكون بلا انتماء، ألا نكون في أي مكان خلال زمن السؤال"، "لا يمكن للمرء النظر إلى مصر، إلى الشرق، بعيون غربيين دون أن يسقط في غرائبية تتنكر لما هو أساسي.. كلا، إن المصري ليس كسولا ولا بليدا ولا خامل الحس. إنه ببساطة شديد الالتفات، خاصة الفلاح، إلى العلامات والإشارات التي تغيب عنّا".
تأملت هذه الفقرة الأخيرة أمس مرات ومرات، وأنا أتابع كلمات الفلاحة الصعيدية البسيطة، أم زبيدة، وهي تقول، بشأن قضية ابنتها وخوفها، وتراجعها وهي ما بين كلابات السلطة وسجونها وإعلامها ومقرّاتها الأمنية، شبه حبيسة ومنتهكة ومنهكة تماما، بما معناه "أن الفريق أحمد شفيق تراجع وخاف، ألا تتراجع فتاة بسيطة وصغيرة كزبيدة، تم سجنها وفعلوا معها كل ما لا يرضي الله".
تحية لروح إدمون جابس وكتاباته التي وصفت لنا نباهة ناسنا ببساطة آسرة، ومن غير بلاغةٍ زائفة، أو تقعُّر نصي، أو حداثي، أو ما بعد حداثي.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري