إفساح المجال للدكتاتور

إفساح المجال للدكتاتور

04 يناير 2018

علي الدين هلال وجابر عصفور

+ الخط -
راح ذلك الزمن الذي كانت فيه الحرية، بالمعنى السياسي والإنساني، رغيف الروح للنفوس الباحثة عن أمل، فهل نسي جابر عصفور، بحكم السن، قصيدة أمل دنقل الجميلة "الطيور"؟ وهل عمّت الحريات الشارع المصري، وردمته عن آخره، بكل ما لذّ وطاب من أنواع الحريات، حتى لم يبق له إلا ترف الإلحاد، كي يكون مكفولا لكل مواطن، أسوةً بالرغيف والوظيفة، وهناك من حملة الماجستير والدكتوراه من يتظاهر أمام مجلس الوزراء من سنوات أربع، بحثا عن وظيفة، وبعضهم دخل السجون؟ ألم يسمع دكتور جابر عصفور أن من حملة الدكتوراه من هو الآن داخل سجون عبد الفتاح السيسي، فهل يأكل سجين الدكتوراه في السجن من حوليات الإلحاد التي ملّتها أوروبا من قرون؟ شيء يشبه مقولة ماري أنطوانيت عن البسبوسة والله.
على الطرف الآخر من النخبة، كانت هناك مُزحة دكتور عليّ الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية، والتي ساقها في يوم الإلحاد المكفول لكل مواطن تماماً، حينما أعلن عن رغبته الشخصية في مد فترة رئاسية ثالثة في الدستور، تكون بمثابة رخصة، أو "هدية" أو "متعة خاصة مقيدة"، لا يتمتع بها أي رئيس سوى السيسي، وأن يكتب ذلك في الدستور، كي لا تكون المتعة مشاعاً للآخرين من الحكّام.
هذا ما تعلنه النخبة المصرية الآن، وليس مشايخ السيد البدوي، ولا مشايخ الطريقة التيجانية في أم درمان، ولا مجاذيب باب زويلة، بل أساتذة في العلوم السياسية للأسف.
يعلم دكتور جابر عصفور أن هناك مقهىً عُرف بمقهى الإلحاد، كان يجلس فيه بعض الشباب العاطل من العمل، وكانت لهم أفكار ساذجة، فتم اقتيادهم إلى أقسام الشرطة وأغلق المقهى، فهل كتب ساعتها مقالا يدافع فيه عن هؤلاء أم صمت؟ ويعلم دكتور جابر أن هناك حزبا كان "ينتوي" توطيد أركانه، بدلا من مقاهي البورصة، كي يجمعهم في حزبٍ يسهل القبض عليهم، بدلا من زحام مقاهي البورصة، وتم توظيف مؤمن المحمدي ناطقا رسميا باسم الحزب. ولكن الأمن فكّ كل مقاهي البورصة، وهرّب الشباب المسكين إلى المقاهي الجانبية، وتحول مؤمن المحمدي من المتحدث الرسمي باسم الإلحاد إلى متعهّد ضيوف في برنامج إسعاد يونس "صاحبة السعادة". ونامت أفكار مؤمن المحمدي في العلب، والتي كانت ستهز منابر الأزهر ومآذنه، والزيتونة، في العالم العربي، حتى جاء جابر عصفور كي يكفل الإلحاد لكل مواطن، بديلا عن الرغيف والسكن والحق في العمل والحب أيضا.
فهل نسمّي هذه نخبة أم مجرد شركة مقاولاتٍ بسيطةٍ لتوسيع المجال، أو الإسفلت، أمام الحاكم وطموحه ومدده التي سوف تخصص له كهدايا خاصة، لم تقدمها النخبة لا في أيام محمد علي، ولا حتى في أيام المماليك.
واضح أن إشراف دكتور جابر عصفور على رسالة ماجستير السيدة جيهان السادات في السبعينيات قد مكّنه من أن يرى، بأم عينيه، كيفية الإلحاد وبلاغته في إدارة مفاصل الدولة وسد ثغراتها، على الرغم من أن الرئيس السادات لم يكن هو ابن رشد، بل كان هو الرئيس المؤمن الذي له "زبيبة" صلاة كالشمس، وهو أيضا الرئيس الذي جاء في الحلم للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ومنحه سيفا بلون الدم، وقد كتب عليه "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وله "زبيبة" هو الآخر واضحة، وقد عمل الدكتور جابر عصفور، بشحمه ولحمه، وزيرا لثقافته لسنة أو أكثر.
فهل نصدّق جابر الذي عمل مشرفاً على رسالة زوجة الرئيس المؤمن، صاحب الزبيبة، أم نصدّق جابر الذي يريد أن يجعل من الإلحاد أمرًا مكفولا لكل مواطن، كالرغيف والوظيفة والحب. أما عليّ الدين هلال فهو بحكم أنه كان وزيرا للرياضة، فهو يحاول جاهدا أن يجد له مكانا في الملاعب، بدلا من الجلوس الذي طال على دكّة الاحتياطي سنوات عجافاً.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري