حراك فرنسا الأصفر

حراك فرنسا الأصفر

15 ديسمبر 2018
+ الخط -
الفرنسيون الآن في حالة فرح عارم. يسود الاعتقاد أنهم لن يخذلوا التاريخ، تاريخ الأنوار، أو لنقل تاريخ التحرّر والثورة والكبرياء. في الماضي القريب، بل بالأمس فقط، غابت عنا فرنسا الاستعمارية المؤيدة للأنظمة الشمولية، وانتهت قصة الإليزيه الذي يبعث كل يوم رسائل الاطمئنان إلى حكام أفريقيا. واليوم، يشهد التاريخ الإنساني للفرنسيين سبقهم في سبيل إعلاء كلمة لا للأنظمة الاقتصادية المستبدة والمتفرعنة، والتي لا تعرف إلا الحرص الشديد على الربح واستنزاف الموارد .
بالأمس القريب فقط، كانت تسكننا فكرة العداء لفرنسا الاستعمارية، حتى كدنا لا نسمع اسم الفرنسي إلا وتعدّدت مفردات رفض هذا الكيان الذي دعم الاستبداد وموّله بماله.
خرج الفرنسيون يحملون لواء المعارضة، وعدم القبول بأنصاف الحلول. ولأن الخروج لا بد من قميصٍ يحمل على كتفه المطال، فلم يسمح لقمصان اليمين، ولا اليسار، أن يساهموا في إرسال مطالب المحتجين العادلة وإيصالها، فالفرنسي الذي أفقره النظام الاقتصادي الرأسمالي العنيف فطن إلى أن ألاعيب الأحزاب والنقابات يجب أن لا تنطلي عليه، كما انطلت على جاره العربي المقهور. إحساس الفرنسي بالواقع المأسوي الذي تعيشه البلاد منذ الفترات الاستعمارية جعلته ينتفض ضد نظامٍ لم يقدم أي شيء يذكر، اللهم دعم لاستبداد النظام الاقتصادي الرأسمالي المستنزف وتقويته.
يتساءل بعض من الناس: هل يمكن أن تتحول فرنسا إلى ليبيا الغرب أو سورية الغرب؟ طبعا لا أحد يتكهن بمآلات الانتفاضة الصفراء. ولكن نحن على يقين تام إن الشارع الفرنسي لن يقبل بأقل من تغيير طبيعة النظام الفرنسي، ومن ورائه المؤسسات الاقتصادية الناهبة، ومن وراء ذلك أحزاب ونقابات، جعلت من نفسها أدواتٍ لدعم الاستبداد بشكل خفي أو معلن .
فرنسا الآن في مرحلة جديدة قد تنعكس إيجابا على الشعوب المغاربية خصوصا، وعلى شعوب إفريقيا عموما، ورياح التغيير الفرنسي لن تتوقف على حدود بروكسيل، بل قد تنتقل إلى البلدان الاوروبية التي ما زالت شعوبها لم تستيقظ من ظلم الاستبداد الرأسمالي وجبروته الذي أدخل الشعوب الأوروبية في أوهام الرفاهية والازدهار، والواقع مختلف تماما .
كرامة الشعب الفرنسي أخرجت الناس، وودعت بذلك أنماط التفكير والسلوك المنبطح والمتعالي على الآخر الإفريقي والعربي، وهو السلوك الموجه من الرأسمالية الإعلامية التي صنعت أجيالا من الاستهلاكيين المتعالين. ولكن فطنة الفرنسي ستضع حدّا للانتهازية، ولسياسة الانتقام من الآخر واستغلاله، لأن موجات التغيير لا تقتصر على المطالب المادية المعيشية، بل سيكون النظام الفرنسي مطالبا بانتهاج سياسات جديدة تقطع مع الأساليب الرأسمالية الاستعمارية.. .لكن هل نتوقع فشلا للحراك الفرنسي الأصفر؟ وهل حان الوقت لتقدم الأنظمة الفاسدة في إفريقيا دعما للنظام الفرنسي، فهو في ورطة ولسان حاله "دعمناكم واليوم أنقذوني".
F01BF109-CE84-49A7-B7DD-C4503D4FBCEE
F01BF109-CE84-49A7-B7DD-C4503D4FBCEE
محمد الأغظف بوية (المغرب)
محمد الأغظف بوية (المغرب)