لماذا تخاف السعودية من الجثة؟

لماذا تخاف السعودية من الجثة؟

08 نوفمبر 2018
+ الخط -
على الجثة علامات الفضيحة، وعلّ الوجه لم يعد يطيق الفضيحة، فالفضيحة كشف وخذلان، والحكم لا يطيق الخذلان، ويحاول جاهدا بالصمت أن يتستر على الفضيحة، لكن الأيام طالت والخذلان طال، والعرض ازداد تشويقا لكل الشامتين. الحكم حينما تطفو على وجهه فضيحةٌ كانت تحدث دائما في الكتمان، يزداد ألمه الداخلي، ويزداد كتمانه كثور جريح، يحاول جاهدا أن يغالب الألم.
على الجثة بيان، بيان الجرم وبشاعته، والبيان معرفةٌ وإدانة، وهم مُدانون بالاعتراف، أتريد أن تضيف إلى الاعتراف فضيحة قسوتنا وهمجيتنا؟ كفانا الاعتراف، ولتمضِ الأمور إلى الهدوء، وإلى بدايات سُلم النسيان، لكن العرض يزداد توهجا بالنكران. في النكران ريبة، ريبة من بشاعة الفعل. ولذا نكره أن نقول أين الجثة، فكم جثة لحكيم أو حتى لنبي أُلقيت في بئر، ونسيها الناس. وكم جثة أكلها الذئب، أنحن أول من يداري جثة؟
زادت مساحة الفضيحة في العرض، والعرض طالت أيامه، وأصبحت الجثة اللغز الأخير في العرض، والجماهير في شوقٍ تنتظره، تنتظر العلامات، علامات القسوة، والقسوة ثمنها الحرمان من مُلك، والمُلك باهظ الثمن، فما بالك بمن ينتظره من سنوات، ويشتاق له، وقتل من أجله؟ أبعد ذلك كله، نخاف من جثة، وملايين القبور مليئةٌ بالجثث، وثلاجات المستشفيات مليئةٌ بالجثث، وميادين الحروب في اليمن مليئةٌ بمئات الجثث، فلماذا نخاف من هذه الجثة بالذات؟ لأن عليها أصابعنا، ونحن الذين أعددنا خشبة العرض بكل الفاعلين، وأعددنا الطائرات والجوازات والفنادق، وحتى المنشار، وحجزت جماهير العالم تذاكر العرض، والجماهير حول العرض في انتظار نهايته، ونهايته هي الجثة، وتلك مكلفة، وتكلفتها ضياع الملك نفسه. ولذا يزداد العرض تشويقا، ونزداد نحن خذلانا.
الجثة شاهد، وأنا أريد أن أقتل الشاهد، أي شاهد، فكل الشهود قتلة، والقتلة نحاكمهم على أرضنا، وأرضنا لنا، والقنصلية لنا، فأي شاهدٍ آخر علينا بعدنا؟ المقتول ابننا، وجثته هي جثة ابننا، فأي شاهدٍ علينا بعد ذلك؟ لا تسألوا عن الجثة، فهي قيد البحث، وأي شيءٍ هو قيد البحث، والحقيقة أيضا قيد البحث، ونحن نبحث، والله معنا، والملك معنا، والأمير معنا.
أريد أن أقتل الشاهد، أي شاهدٍ، ولو حتى بصمتي، ولكن شهود العالم كله الآن هم حضور العرض، والعرض صار له شاشات في كل العالم، فكل العالم صار مسرحا، والكل في انتظار نهاية العرض، والنهاية هي الجثة.
الجثّة فضيحة، والحكم يخشى الفضيحة، يحاول جاهدا أن يداري من قسوة الفضيحة، في غابة، في حمض، في بئر، فأنبياء تم إلقاؤهم في بئر، وصاروا فيما بعد ملوكا.
العالم في انتظار شاشات العرض، الساسة، والمتربّصون، والأعداء، والمحبّون، وحتى الأمم المتحدة، مع أن العالم، هناك، مليء عن آخره بالجثث.
السعودية في مركز الدائرة، دائرة الفضيحة، أو دائرة العرض، والعالم كله، من حولها، في انتظار نهاية العرض على محيط الدائرة. كانت كل أمورنا، حتى البيْعة، تتم في الكتمان، فكيف وصلنا إلى تلك (الفرجة)؟ ومن أوصلنا إليها؟
التهمة ثابتة، والجثّة ستُكمل الفضيحة، وكل كاميرات العالم مصوّبةٌ لخشبة العرض، أيلومنا العالم على المماطلة أسبوعا أو أسبوعين أو حتى سنة أو سنتين؟ كما يحدث في كل أرض، فمن قيدنا في مركز تلك الدائرة تلك؟ المشاهدون على محيط الدائرة في انتظار نهاية العرض، وما عدنا نطيق كل ذلك الخذلان الذي هو أكبر من طاقتنا.
الجثة عليها الأنفاس الأخيرة، والنظرة الأخيرة، والرهبة الأخيرة، والرجفة الأخيرة، والبريق الأخير. ونحن لا نطيق الفضيحة، فالفضيحة أكبر منّا، إنها تتعلق بحماية مملكةٍ تخدم الله وأهله في الأرض والطواف، وكم من مئاتٍ قُتلوا في الطواف، ودُفنوا مكرمين في البقيع. الجثة خطيئتنا، فمن ذلك الفاجر الذي يعرض خطيئته على العالم جهارا نهارا، وهو الذي يخدم بيت الله الحرام الذي حرم فيه القتل؟

دلالات