تعذيب في الأردن

تعذيب في الأردن

29 نوفمبر 2018
+ الخط -
(1)
التعذيب في الأردن يُمارس بشكل منهجي، والحكومة أخفقت في الالتزام بواجبها الخاص بمنعه، والتحقيق والملاحقة القضائية لمرتكبيه، على الرغم من مرور ما يزيد عن ربع قرن على انضمام الأردن إلى اتفاقية مناهضة التعذيب.
تلك خلاصة سريعة ومكثفة لحالة التعذيب في الأردن، البلد الذي يتمتع بقدر كبير من حرية الرأي، على الرغم من التقييدات التي تحاول السلطات التنفيذية مأسستها، عبر سلسلة قوانين، سالبة للحريات العامة، ومناهضة لحرية الرأي تحديدا.
المفارقة الكبرى، هنا، أننا في الأردن لم نزل نستطيع أن نتحدّث بمثل هذه الصراحة عن حالة حقوق الإنسان، وواقع السجون التي نسميها في الأردن "مراكز إصلاح"، وتلك حالة فريدة وسط بحر عربي حافل بإهدار كرامة الإنسان، وسلبه أي حق في الحريات المدنية والسياسية، بل سلب حياته نفسها، وتعريض كل من يحاول رفع رأسه لاحتمالية الغياب وراء الشمس. ولا أدل على ذلك من جريمة إعدام الصحافي الشهير جمال خاشقجي، الذي تحول إلى أيقونة دولية، لا عربية فقط، مع ما مثلته قصته الدامية من دلالاتٍ على توحش النظام العربي الرسمي، وتعامله باحتقار مع حياة مواطنيه.
في حدثٍ فريد في دنيا العرب، عقد مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان مؤتمرا في عمّان يوم الاثنين الماضي، أعلن فيه خلاصة تقريره السنوي الثاني تحت عنوان "التعذيب من الإنكار للوقاية.. كيف نبدأ"، وهو يكشف حقائق صادمة عما يجري وراء جدران المراكز الأمنية، من خلال شهادات حية لشهودٍ من أهالي ضحايا التعذيب في السجون، منها أن أعداد ضحايا التعذيب في المراكز الأمنية والسجون وصلت إلى 88 ضحية خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، 
مع أن التعذيب لا يَسمح به القانون الأردني، وفق ما يقول رئيس مركز عدالة، المحامي عاصم الربابعة. وتظهر حالات التعذيب التي تعامل معها التقرير وجود استخدامٍ مفرطٍ، وغير مبرّر، للقوة الأمنية عند القبص على الأشخاص، وخلال المداهمات الأمنية، من دون مراعاة المبادئ المنظمة لاستخدام موظفي إنفاذ القانون القوة، وهو مخالفةٌ جوهريةٌ لأحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية.
الحقيقة المرّة أن ما أعلنه مركز عدالة الأردني نقطة في بحر مما يجري في بلاد العرب، سواء في السجون المعلنة، أو السرية، حيث يحفل عالمنا العربي بانتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان، ابتداء من اختفاء معتقلين، مرورا بظروف اعتقالهم غير الإنسانية، وصولا إلى خطف الناس، وأحكام الإعدام الظالمة التي حفل بها فضاؤنا العربي أخيرا، خصوصا في الجزيرة العربية، وشمال أفريقيا.
حالة التوحش التي يمر بها النظام العربي الرسمي تعبير صارخ عن تآكل شرعية الأنظمة، أو حتى انهيارها، وهي ترجمة مباشرة للخوف الذي يسكن الذهنية الحاكمة، وسيطرة الرغبة بالاستحواذ لديها على كل شيء، ابتداء بالإنسان وعقله وانتهاء بثروات البلاد وخيراتها. وهي ترى في بسط سطوتها بمنتهى الخشونة على مقدّرات الأوطان، بما فيها البشر والحجر، أسلوبا أثيرا لديمومة قتل كبرياء الإنسان، وإبقائه في حالة خوفٍ دائم، وهي تستخدم المؤسسة الدينية الرسمية لإضفاء طابع "شرعي" على جبروت "ولي الأمر"، باعتباره مطلق اليد في البلاد، وطاعته واجبة، حتى ولو "زنى" في بث مباشر على شبكات التلفزة.
(2)
نصت المادة 208 من قانون العقوبات الأردني، على ما يلي: أولا: من سام شخصا أي نوع من أنواع التعذيب بقصد الحصول على إقرار بجريمة أو على معلومات بشأنها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. وهذه المادة في كل بنودها جامع مانع، ومتّسقة تماما مع المعايير الدولية بهذا الشأن. ومع ذلك، لم نكد نسمع عن إدانة أحد بارتكاب التعذيب، على الرغم مما ورد في تقرير "عدالة"، وما حفل به مؤتمرها من شهاداتٍ حية لأقارب مواطنين قضوا في المراكز الأمنية. ومن هذه الشهادات شهادة لشقيقة ضحية، قالت فيها إن شقيقها توفي داخل المركز الأمني، ولم يعرف إلى غاية اللحظة سبب حجزه وتعرّضه للتعذيب.
وتبقى كلمة حق، الأردن جنة نسبة لبعض البلاد العربية، التي "تتمتع" بسمعة سوداء، وسجل حافل بالتوحش، ولكن من حقنا أن تكون بلادنا خالية من أي انتهاكات لحرية وحياة الإنسان، ورحم الله من قال: وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها ... كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ.