ماذا بعد إفلاس النظام السياسي العربي؟

ماذا بعد إفلاس النظام السياسي العربي؟

22 فبراير 2018
+ الخط -
(1) 
لا يحتاج من لديه نزر يسير من بصر أو بصيرة، للتأكد من انهيار النظام العربي الرسمي وإفلاسه. الملاسنة التي وقعت، أخيرا، بين وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، والأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، على خلفية انتقادات حول دور كل من الطرفين في سورية، تقول حقائق كثيرة.
انتقد أوغلو نظام جامعة الدول العربية وعدم قدرتها على منع نظام بشار الأسد "من قتل ما لا يقل عن نصف مليون شخص في سورية". جاء هذا ردا على الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي طالب تركيا بوقف عملية عفرين، وسحب قواتها من سورية. وقال أوغلو لأبو الغيط: "أيها الأمين العام، نحن هناك (في سورية) لمكافحة منظمة إرهابية، ونستخدم حقنا المشروع في الدفاع عن أنفسنا، استنادا للقوانين الدولية والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”، كنت "أتمنى أن يكون نظامكم قوياً بالدرجة الكافية لمنع قائد أحد الدول الأعضاء (في جامعتكم) من قتل على الأقل نصف مليون شخص، أو منعه من استخدام الأسلحة الكيميائية. كما أردف قائلا "أتمنى أن يكون نظامكم قويا بما يكفي لمنع دول أعضاء (في جامعتكم) من ممارسة ضغوط على الفلسطينيين والأردن، كي لا تعترضا على قرار الولايات المتحدة بشأن القدس، والتوقف عن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، أو وضع القدس (التاريخي)". واختتم جاووش أوغلو بالقول "هذا هو نظامكم للأسف".
هذا تقريبا نص الواقعة، وهي قد لا تضيف كثيرا إلى ما يلمسه أي مواطن عربي من انحلال النظام العربي وتفككه، لكنها تضع نقاطا على حروف كثيرة، خصوصا في أكثر القضايا سخونة والتهابا في بلاد العرب: فلسطين وسورية، والكلام هنا كثير، لكن السؤال الأكثر تعقيدا هو: هل فشل النظام العربي في "إدارة الصراع"، وحسم المعركتين في ذينك البلدين، أم كان أحد صناع المشكلة، بل الصانع الأكبر لهما؟
ما خفي وما ظهر من أحداث ووثائق يقول إن العامل الحاسم في نكبة فلسطين ونكبة سورية كان هذا النظام، ولو كان يمتلك الحد الأدنى من الإدارة والإرادة، لما تدهورت الأوضاع في كلا البلدين إلى الدرك الذي وصلا إليه.

(2)
السؤال الذي يؤرق كل من هو مهتم بواقع العرب ومستقبلهم خاص بطريق الخلاص من هذا 
الانهيار التام للنظام العربي الرسمي، وكيف يبدأ أي مشروع نهضوي تضميدي لجراح العرب، ومن أين يبدأ. شغل هذا السؤال أكبر عقول العرب من مفكرين وكتاب وفلاسفة، وحركات وأحزاب وجماعات، ولم يزل على رأس أجندة هؤلاء كلهم. أما رموز هذا النظام من صناع قرار وأولياء أمر، فهم في شغل آخر، وما يهمهم وما يشغل بالهم، كيفية الحفاظ على كراسي الحكم. وسوى ذلك، فليكن الطوفان، بل إن بعضهم غارق حتى أذنيه بكيفية محاربة أي بذرة خير تنبت هنا أو هناك، ويمكن أن تكون بداية خروجٍ من الكارثة. وما قصة الربيع العربي وما حدث له من سحق بلا رحمة ببعيدة، فقد تجندت كل قوى الشر لقتل المولود الجديد في مهده، باعتباره كان سيهدد "مكتسبات" هؤلاء، ويعيد بناء كرامة العرب وكبريائهم. ومن غريب ما حدث هنا أن كل من له علاقة في شأن بالعرب وحياتهم، من عرب وعجم، ساهم بمنتهى الشراسة في شيطنة الربيع وقتله، حتى أولئك الناعقون بحقوق الإنسان والدمقرطة في بلاد الغرب، كانوا عونا بمنتهى الإخلاص لقتلة الربيع، على الرغم من كل ما يتشدقون به من دعاوي الحرص على حياة الشر وحقوقهم.
ليس سؤال النهوض من كبوة العرب سؤالا فلسفيا فكريا فحسب، بل هو متعلق أيضا بصحة تشخيص المشكلة، وصحة تصنيفها أيضا. ثمّة عشرات، وربما مئات من الكتب والبحوث، كتبت في الموضوع. ويبدو من السذاجة بمكان الإجابة هنا عن السؤال ببساطة، لكن مفتاح الإجابة متعلق بالإنسان العربي نفسه، وكيفية تفكيره، وما يجعله "متخاذلا" أو غير قادر على الانتصار لنفسه. وبكلام آخر، ما الذي يحول دون المواطن العربي أن يكون عنصرا فاعلا في التغيير، خصوصا أنه يدفع يوميا من صحته وحياته وسعادته ثمنا باهظا لانحطاط الأوضاع في بلاده، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وتحت الكلمة الأخيرة، يمكن للمرء أن يضع مليون خط، فالجانب الاجتماعي هو الأكثر أهمية هنا، فما لم يثر العربي على نفسه أولا، ككائن اجتماعي، فلن يكون في وسعه أن يغير شيئا في حقلي السياسة والاقتصاد، على العربي أن يتحرّر من كل ما يجعله كائنا سويا اجتماعيا، في كل مظاهر سلوكه، قبل أن يفكر في صناعة أي تغيير في واقعه السياسي والاقتصادي. وتلك مسألة، ربما تحتاج لمقالة أخرى إن شاء الله.