جريمة ستنتقم من مرتكبها

جريمة ستنتقم من مرتكبها

27 أكتوبر 2018
+ الخط -
يستحق الصحافي والكاتب، الصديق جمال خاشقجي، ما أثير بشأن جريمة قتله من ردود فعل عاصفة غطت العالم بأسره، عدا روسيا بوتين، بعد الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وتركّزت على المطالبة بإنزال أشد العقاب بمن أمروا بتصفيته كاتبا ومثقفا وصاحب موقف، ومن سهلوا الجريمة على الصعيد الدولي، كما بالقتلة المنفذين الذين كانوا يتضاحكون وهم يرتكبون واحدةً من أفظع جرائم العصر والتاريخ الحديث، ضد كاتب وصحافي أعلن مرّات عديدة دعمه مشروع إصلاح من سمّاه دوما "سمو ولي العهد"، وانتقد مرارا جماعة الإخوان المسلمين التي يحاول بعض منافقي الإعلام السعودي اتهامه بالانتماء إليها، لمجرد أنه كان يطالب، كما نطالب ويطالب معظم مثقفي العرب، بحق الإسلام السياسي في المشاركة في الحياة العامة، ضمن ضوابط القانون وسيادة الدولة.
لا أنتقص من فظاعة قتل جمال إذا ما لفتّ الأنظار إلى سلبية العالم حيال جريمةٍ لا تقل فظاعة، هي إبادة شعب سورية، وطالبت بموقفٍ من قاتله بشار الأسد الذي تتوفر أدلة دولية موثقة على ارتكابه جريمة قتل السوريين من دون تمييز، بدعم من الصامت الأكبر عن قتل جمال، فلاديمير بوتين، على أن يوازي موقفه في وضوحه وحسمه الموقف من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان الذي يحمل مسؤولية سياسية عن قتل جمال، مع تحفّظي الشديد على من يركّزون على قتل الشعب ليقللوا من فظاعة قتل فرد، هو في حالة جمال اسم نوع للإنسان، لا تصح فيه المقارنة الكمية، لأن من يقتل إنسانا فردا بالطريقة التي قتل بها يكون قد وضع قدمه على طريق قتل شعبٍ بكامله، كما فعل الأسد الأب الذي بدأ بقتل أفراد، قبل أن ينتقل، هو وابنه، إلى قتل شعب بكامله من دون تمييز.
ليس قتل جمال ولن يبقى حدثا محليا. وتفيد التقديرات بأن نتائجه ستتخطى هذا أو ذاك من حكام السعودية ومسؤوليها إلى مسؤولي وحكام دول بعيدة، ربما كان ترامب منهم، وإنها إن لم تُزحهم عن كراسيهم أضعفتهم وهمّشت صلاحياتهم وأدوارهم، وستتحدّى نمط الحكم السلطاني الذي أثبت، وهو يعد الشعب بالإصلاح، أنه أحوج ما يكون هو نفسه إلى إصلاح "أكبر من ثورة"، كما كان يقول عن حالاتٍ كهذه أستاذ جيلنا إلياس مرقص، وأن التلاعب بمبدأ الإصلاح سيطيح من يستخدمه لتبرير بطشه بمواطنيه، وقتلهم وتقطيع جثامينهم، وقد يفجر ثورةً مثلما حدث في سورية، عندما تلاعب بشار الأسد بولدنةٍ وسخفٍ بوعد الإصلاح، وأراد به تخدير الشعب، فأيقظه من سباته، ودفعه إلى الثورة عليه، ونقل رفضه له إلى نظامه، في ظروفٍ حملت بحق اسم "الربيع العربي" الذي يظن الحكام أن زوبعته قد انتهت، على الرغم من أنها تنتقل من بلد إلى آخر، ولا يستبعد إطلاقا أن يعصف اغتيال جمال خاشقجي فصاعدا بالمملكة، في حال أساء ولي عهدها قراءة النتائج المزلزلة لما فعله رجاله، وما ترتب من ردود فعل دولية على الجريمة التي لن تطوى بمجرد إنكاره التورّط فيها.
ليس، ولن يكون اغتيال جمال خاشقجي، حدثا عاديا، بل هو حدثٌ كاشف يفضح حقيقة الواقع الذي أنتجه، والأشخاص الذين يقفون وراءه، ويمهّد عاجلا أم آجلا للزلزال الذي سيطيحهم، مثلما جرى في فتراتٍ متنوعةٍ من التاريخ الحديث والمعاصر.
قتل مجرمون سياسيون وجنائيون رجلا تليق به الحياة، لن يكون في وسعهم تجنب ردود فعل مقتله على نظامهم وأشخاصهم، بثمنها الذي سيكون أكبر من أي شيء قد يكون خطر ببالهم، وهم يقرّرون ارتكابها.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.