فضل شاكر وكات ستيفنس

فضل شاكر وكات ستيفنس

11 اغسطس 2017

كات ستيفنس وفضل شاكر

+ الخط -
تردّد اسم فضل شاكر، أخيراً، بعد حملة حزب الله ضد جبهة النصرة في عرسال وجرودها، والمفاوضات الجارية حول نقل المتعاطفين مع "النصرة" من العناصر الإسلامية في مخيم عين الحلوة إلى إدلب في سورية. كان اسم فضل شاكر ضمن لائحة العناصر في المخيم، ومنهم من كان قريباً للشيخ أحمد الأسير مثله. كما تحدثت تقاريرعن إمكانية عودة فضل شاكر إلى الغناء، كما كان شأنه قبل أن يعتزل الفن، ويدخل في طريق التديّن، والإعلان عن آرائه السياسية ذات التوجهات الأصولية.
لم أكن من متابعي مسيرة فضل شاكر الفنية، على الرغم من شعبيته، وإجماع النقاد على حلاوة صوته ورومانسية أغانيه، لكن هذا الفنان هو من يثير الأسئلة، وهو الذي يمثل حكاية أليفة، طالما شاهدنا نماذج منها في الأفلام العربية الرومانسية عن الفنان الفقير الذي تساعده موهبته، والظروف المحيطة، على الصعود في طريق الشهرة. ليس هذا وحسب، بل إن فضل شاكر، اللبناني الجنسية أصلاً طالما قيل إنه فلسطيني، لأنه عاش في منطقة تعمير عين الحلوة الملاصقة للمخيم، ثم أقام في بداياته الفنية في المخيم، يحيي أعراس الفقراء على السطوح الإسمنتية التي حلت مكان سطوح الزنك، ولأن زوجته فلسطينية من المخيم، تعرّف إليها خلال انطلاقته الفنية هناك. صار سكان التعمير الذي بنته الدولة اللبنانية لإسكان مواطني مدينة صيدا المتضرّرين إثر فيضانات البحر عام 1956 جيراناً للمخيم في بداياته. وكان سكان المخيم، على الرغم من بؤس بيوتهم، ينظرون إلى سكان التعمير نظرة ود وإلفة، بسبب تشابه المصائر واللجوء والاقتلاع من المكان الأصلي.
أدهش فضل شاكر جمهوره العريض في الوطن العربي بتوقفه عن السير في طريق الفن في قمة تألقه، واعتراف عالم الغناء بموهبته وتنافسه مع فنانين كبار، وانسحابه إلى قوقعة الدين المغلقة أمام هذه الأشكال في التعبير عن الذات ومكنوناتها، واعتبار الغناء حراماً. تمثل حكاية فضل شاكر، في جوانب منها، مأساةً فرديةً، لعدم اكتفاء صراعه الداخلي حيال الحرام والحلال بالقلق الذاتي، بل تعداه إلى الانخراط في صفوف جماعاتٍ أصوليةٍ في لحظةٍ باتت فيها الأصوليات ساحةً للعنف والقتل والخوف. وبات مطلوباً للدولة، بعد أن كان مطلوباً لجمهوره، والاستماع إلى صوته وأغانيه.
وأنا أتابع حكاية فضل شاكر، تذكرت حواراً لي نُشر في صحيفة الخليج الإماراتية في العام 1985 مع مغنٍ آخر، اشتهر في عالم الغناء الغربي، وجنت إسطواناته ملايين الدولارات في الستينيات، ثم اعتنق، في قمة مجده الفني، الإسلام، وتوقف نهائياً عن الغناء. كان المغني البريطاني، كات ستيفنس، المولود لأب قبرصي وأم سويدية، من نجوم البوب ميوزيك في الستينيات، في وقت لمع نجوم البوب، مثل البيتلز والرولينغ ستونز. وقد تميز بقدراته الصوتية وإضافاته لهذا النوع من الموسيقى، لتناسب التطور الحاصل في الموسيقى الغربية الحديثة آنذاك. ربما تختلف حكاية كات ستيفنس الذي اتخذ من اسمه الجديد، يوسف إسلام، دليلاً لهويته الجديدة التي ابتعدت عن عالم الموسيقى، لتبحر في عالم روحانيٍّ، وفرته له ثقافته الموسيقية، ودراسته الفلسفات الشرقية التي قادته إلى البوذية أولاً، ليكتشف أنها فلسفة أكثر منها ديناً، ثم درس التراث الفلسفي الإغريقي، إلى أن أهداه أخوه، بالمصادفة، نسخة من القرآن، حيث، كما قال لي، وجد فيه ضالته الروحية التي قادته إلى هذا الطريق.
لم يعش كات ستيفنس ظروف فضل شاكر، ولا أحسّ يوماً بمظلوميةٍ دينيةٍ، أو طائفية، كما أحس شاكر، وخصوصاً بعد اغتيال رفيق الحريري. ولم يعش قريباً من مخيم البؤس، وتعميره البائس، ولم يلتحق بمدارس الأيتام في صيدا. كانت تجربة ستيفنس روحيةً خالصة، وامتدت طويلاً، وها هو قد عاد إلى الغناء، يحيي الحفلات، وهو يشارف على السبعين من العمر.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.