الخوف على عين الحلوة

الخوف على عين الحلوة

27 يناير 2017

حاجز للجيش اللبناني مدخل مخيم عين الحلوة (4/6/2007/فرانس برس)

+ الخط -
يحلو للفلسطينيين في مخيمات اللجوء، منذ ما يدنو من سبعة عقود، أن يطلقوا تسميات تشي بالفخامة على مخيماتهم، تُظهر نزعة إنسانية تنحو إلى التعبير الهش بالاعتزاز بثقةٍ عاليةٍ بالنفس، جاءت في لحظةٍ كان اللاجئون يعتقدون أنهم أمسكوا بضوءٍ يجعل هويتهم المحطمة من أثر النكبة باهراً ومشعاً، قد يخفي التفسخات المختلفة الموجودة في تلك المخيمات التي صارت بديلاً للقرى والمدن التي تختزنها الذاكرة المتعبة. في الوقت نفسه، يمكن بسهولةٍ فائقةٍ ملامسة المأساة التي تكشف شدة المرارة، لما في هذه التسميات والواقع المعاش، من تناقض وضراوة في البؤس. هكذا فعل فلسطينيو مخيم الوحدات في الأردن، حين أطلقوا على مخيمهم جمهورية الوحدات. كان لتلك التسمية في فاتحة السبعينات توهّج يحرّك الأحلام المجهضة ويحييها في مخيلة اللاجئين الذين حملوا السلاح وقتها. ربما جاءت التسمية، آنذاك، نتيجة عجقة الفكر اليساري الذي كان مثل لعبةٍ بيد طفلٍ في طور الرضاعة وربما جاءت سلوكاً سيكولوجياً أنتجته معاناة فقد الوطن، والشعور بالضياع خارج أي نظام سياسي والحيرة والإرباك في البحث عن موطئ قدم في مكان ثابت ومستقر وآمن في العلاقة مع بلاد اللجوء.
وهكذا حصل في سورية ولبنان، تنافس فلسطينو البلدين على تسمية "عاصمة الشتات"، فمثلما أطلق فلسطينيو سورية على مخيم اليرموك عاصمة الشتات، أطلق أشقاؤهم في لبنان التسمية نفسها على عين الحلوة، وإن كان حظ عاصمة الشتات في سورية عاثراً وحزيناً نتيجة الحصار المدمر وعمليات القتل والاعتقالات والتهجير التي قام بها النظام السوري، فإنه يُخشى أن لا يبتعد مصير "عين الحلوة"، في ضوء مؤشرات غير قليلة، عن مصير اليرموك العاصمة البائسة في سورية. إذا كانت تسمية جمهورية الوحدات، ومن بعدها جمهورية الفاكهاني قبل عام 1982 دولةً داخل الدولة اللبنانية، صادرةً مما يمكن أن نراه شعوراً بالاستقواء والانفصال عن الدولة المضيفة، حتى ولو لم يكن للانفصال مقومات البقاء، أضف إلى ذلك المركّبات النفسية المعقدة، والأفكار السياسية والفكرية الواهمة والهشة، فإن تسمية عاصمة الشتات في لبنان وسورية قادمة من ذلك المكان السحيق من الشعور بالترك بلا مرجعية، وبلا مقومات للعيش الإنساني البسيط، ما يدفع اللاجئين إلى التعلق بوهم رمزية التسمية، وفي الوقت نفسه، والإعلاء من شأن الألم الإنساني وكثافته، في محاولةٍ لاواعية لتسليط الضوء على عمق المأساة المتضخمة فيما تحمله من حطامٍ ويأسٍ وإحباط، فالعواصم محط أنظار العالم يتوخّى قاطنوها اهتمام الناس بها، على الرغم من الوهم القاتل.
لماذا الخوف على مخيم عين الحلوة. يكاد لا يمرّ يومٌ في حياة الفلسطينيين هناك إلاّ ونسمع عن عمليات إطلاق نار وتفجير واقتتال بين الأطراف المسلحة، ففي غياب المرجعية السياسية ذات الحضور الواضح، وفي حضور الانبعاث الإسلامي في المنطقة، نمت وترعرعت مجموعات إسلامية أصولية متشعبة الاتجاهات والارتباطات الفقهية والمالية، وصار مخيم عين الحلوة عرضةً للإعلام اللبناني المحرّض والموجه، وللسياسات اللبنانية المختلفة التي ترى في المخيم أرضاً خصبة للنزاعات المسلحة المؤثرة في المحيط اللبناني، وخصوصاً أن سكان عين الحلوة من المسلمين السنة والمجموعات الإسلامية التي لها مرجعياتها الفقهية بالحركات الإسلامية في المنطقة. وهناك في لبنان من يحسب هذه المجموعات على قوى أصولية سنية في سورية، ويخشى أن تستخدمها في الصراع الدائر في سورية، وخصوصاً لجهة انخراط حزب الله في قتال مذهبي شرس، يمكن أن يتطوّر في حال أعاد الحزب قواته القتالية إلى لبنان، بعد أن استتب له أمر الدولة، وهيمنته السياسية الفعلية عليها، بعد وصول حليفه إلى الرئاسة. وأن يكون عين الحلوة ساحة قتال لحزب الله، مباشرة أو من خلال الدولة، ذلك أن الحزب يعتبر حربه الوحيدة هي مع من يسميهم التكفيريين.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.