كلنا "عملناها" في قصر ريفلين

كلنا "عملناها" في قصر ريفلين

30 مايو 2017

عشائريون أردنيون في ضيافة الرئيس الإسرائيلي (فيسبوك)

+ الخط -
لا جدوى من الإنكار، فكلنا "عملناها"، ولم تعد تجدي كل العباءات في إخفاء الرائحة التي تنبعث منا، منذ غادرنا قصر الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين.
وإذا كان كل منا، الآن، يقذف "شيخ العار" على الآخر، ويعلن براءة أفخاذ العشيرة وبطونها منه، فعندها يصبح السؤال مشروعًا: إذن، من دنّس يده بمصافحة الرئيس ريفلين في القدس المحتلة؟ ومن ذلك الذي كان يتكوّر داخل عباءته، مثل تلميذٍ راسب أمام أستاذه، ليستمع إلى محاضرةٍ من ريفلين عن أهمية التطبيع، وضرورة التركيز على "نقاط الالتقاء" لا "الاختلاف" بين العرب والصهاينة؟
وما دام خلاف الأفخاذ قد استفحل بيننا، ولم تعد تجدي "الجاهات" وفناجين "السادة" نفعًا في حسمه، فإنني أخشى أن يتفاقم الخلاف العشائري، ليصبح امتدادًا لداحس والغبراء، علمًا أن مكتباتنا تعجّ بكتب الأنساب، بل إنها لا تحتوي، في الواقع، إلا على هذا النمط من الكتب، بعد أن فضّلناها على كل العلوم والمباحث الأخرى التي لا تلبي "فضولنا العلمي". وفي وسعي أن أدلّ "شيوخي" على عديد من هذه المراجع، لو أنهم استمعوا إليّ، وكفّوا عن الدفاع عن أصولهم وعروقهم، في وجه هذه "المحنة". ويكفي أن أشير فقط إلى "معجم العشائر" الذي وضعه رئيس وزراء سابق، أنفق عليه سنواتٍ من الجهد والبحث والتدقيق والتحرّي، ولم تمنعه حتى وظيفته لتصريف شؤون الشعب، من إعطاء أولوية اهتمامه للمعجم، على اعتبار أنه موجّه، أولاً وأخيرًا، لخدمة "عشائر الشعب".
الواقع أن حالنا يشبه، ونحن نحاول التنصّل من "شيوخ العار"، حال "اللي على راسه بطحة بحسّس عليها"، وفق مثل شعبي دارج، أي أننا، في محاولة درء التهمة عنّا، كرّسنا التهمة علينا.
المعضلة لا تتلخص في "شيخٍ" أو شيخين، خرجا على تقاليد عشائرهما، وتجاوزا الخطوط الحمر للقبيلة، بل تكمن في الرؤوس العشائرية التي نحملها، ونتمسّك بها، ولم تتمكّن من خلعها سائر أدوات الحداثة التي غزت العالم.
مذنبون نحن، ونتحمل المسؤولية قبل "شيوخ العار" أنفسهم؛ لأننا من يعيد إنتاج هؤلاء الشيوخ، بفضل ولعنا بالعشيرة، ولأننا لا نخضع إلا لأحكامها وتوصياتها، فقط، حتى في تحرّكاتنا "الديمقراطية" ذاتها.
فما معنى أن نترك للعشيرة أمر حسم مرشحنا للانتخابات البرلمانية التي يُفترض أن نختار فيها مرشحين "ديمقراطيين"، حتى لو كانوا من خارج العشيرة. غير أننا، بكل شهاداتنا الجامعية وحصيلتنا الثقافية وإعجابنا بالمجتمعات الديمقراطية، نمتثل، آخر المطاف، لما يقرّره "شيخ العشيرة"، حتى لو كان مرشّحنا لا يؤمن بأبجديات الحرية، لأن خروجنا على "إجماع العشيرة" يعني أننا سنجد أنفسنا محض "صعاليك" منبوذين خارج عباءتها، وسنغدو عراةً مكشوفين أمام مجتمعٍ لا يعترف بغير العشيرة "نسبًا" وسندًا، ويجعلها الواجهة الأولى للإطلال على الآخر، والمرجعية الأخيرة والحاسمة في كل الخيارات والقرارات المصيرية المتعلقة بالفرد، من لحظة الولادة، والزواج، و"الخلفة"، إلى لحظة اختيار "القبر"، ذلك أن للعشائر مقابرها الخاصة أيضًا، ولا يجوز تدنيسها بجثةٍ من جثث العشائر الأخرى.
وما معنى أن تكون هناك "محكمتان" و"قاضيان"، لفضّ النزاعات بين الناس، الأولى صورية، تتخذ هيئة المحكمة المدنية، بمعاملاتها الرسمية، غير أن أحكامها لا تحسم أي خلافٍ بين المتخاصمين، مقابل محكمة "عشائريةٍ" موازية، يكون لها القرار الواجب النفاذ، حتى لو تعارض مع الحكم المدنيّ، بل إن القاضي المدني، في حالاتٍ كثيرة، يتحاشى إصدار حكمه النهائي، إلى حين حسم "الخلاف العشائري" بين المتخاصمين، كما الحال في حوادث السير، والمشاجرات، وسواهما.
لسنا أبرياء من هذا "العار"، لأن من قدّم "العشيرة" وشيوخها على الأكثر جدارة واستحقاقًا لا يحقّ له أن يعترض على أي قرارٍ يتخذه هذا "الشيخ"، حتى لو كان مصافحة العدوّ، ولعب دور "رأس الحربة" في التطبيع مع الصهاينة.
وهكذا، فكلنا، أبناء البطون والأفخاذ، "عملناها" هناك، في قصر الرئيس الإسرائيلي، ولا أحد منا بريء.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.