مصير الدواعش

مصير الدواعش

05 ابريل 2017
+ الخط -
في خضم انشغال الرأي العام والنخب السياسية المغربية بالمسار المعقد لتشكيل الحكومة، وألاعيب الأحزاب للالتفاف على نتائج الاقتراع، وإعادة تكييفها لتأخذ شكلا آخر يصب في طاحونة "التراجع عن الخيار الديمقراطي"، صدر تقرير مهم عن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، يرسم السيناريوهات المحتملة التي سيتخذها مقاتلو "داعش" بعد انهيار مركز الخلافة المزعومة في مدينة الموصل، وتراجع دفاعات أبو بكر البغدادي، تحت تأثير الحرب العالمية عليه، إلى رقعة ضيقة في العراق وسورية، حيث كان، قبل سنتين، يسيطر على مساحة تقرب من مساحة بريطانيا.
ليست المملكة المغربية بعيدة عن هذه الأزمة الدولية الكبيرة التي تورّط فيها الكبار والصغار، لأن المغرب يسهم بأكثر من 2500 مقاتل هاجروا من المغرب وأوروبا للقتال تحت راية البغدادي، وأمضوا مع عائلاتهم أكثر من سنتين يتدرّبون، ويتثقفون، ويقتلون، ويصنعون المتفجرات، ويمنون النفس بخلافةٍ تحكم العالم.
وضع تقرير المركز الدولي لمكافحة الإرهاب ثلاثة مسارات أو خيارات ستحكم مصير بقايا تنظيم داعش بعد انهياره القريب: إما التخفي وسط مدن وقرى الشام، أو الهجرة نحو بؤر توتر أخرى لمواصلة "الجهاد"، أو العودة إلى بلدانهم الأصلية. واعتبر التقرير أن قادة التنظيم ووجوهه البارزة لا مفر لها من الخيار الأول، أي التخفّي في قرى سورية والعراق، وانتظار الأسوأ، أي القتل أو السجن في أفضل الأحوال، الذي سيعقبه الإعدام لا محالة. أما المجموعة الثانية، فأمامها خيار إعلان الولاء لتنظيمات جهادية أخرى، ومن ثم الذوبان في تنظيمات جديدة، ومواصلة القتال، أما الخيار الثالث، أي العودة إلى البلدان الأصلية، فيبقى، في نظر التقرير، أكثر الخيارات إشكالية ومدعاة للقلق.
بقايا تنظيم القاعدة ليسوا كتلة واحدة متجانسة، بل هم ثلاث فئات على الأقل، حسب المركز البحثي المذكور: الأولى هم "المغرّر بهم"، والثانية من تخلوا عن الوسيلة لا الغاية، أي الذين لا يهمهم "داعش" أو "القاعدة" أو جبهة النصرة، بل يهمهم "الجهاد"، أما الفئة الثالثة فهي العناصر المحترفة التي اتخذت من القتال باسم الرب حرفة ومشروع حياة.
وضمن هذا التقسيم، اعتبر التقرير أن مصدر الخطر الأكبر في المستقبل سيأتي من الفئة الثالثة داخل العائدين، أي العناصر العملية والمحترفة، وهي التي ستبحث، فور وصولها إلى بلدانها أو إلى السجن، أو إلى مناطق قريبة من بلدانها، عن تشكيل خلايا إرهابية، وإيقاظ أخرى نائمة، وتنفيذ هجمات وأعمال إرهابية، بتنسيق مع القادة المتبقين على قيد الحياة للتنظيم في سورية أو العراق أو ليبيا أو مناطق أخرى.
يوصي التقرير بالأخذ بيد "المغرّر بهم"، وتوفير علاج نفسي ومواكبة اجتماعية لحالاتهم، واحدة بواحدة، وعدم اللجوء إلى سجنهم أو تعذيبهم، لأن ذلك سينقلهم من الفئة الأولى إلى الفئة الثانية أو الثالثة. في المقابل، يرى التقرير أن من غادروا التنظيم من دون أن تغادر أذهانهم فكرة الخلافة، سيظلون على استعدادٍ للانخراط في أي مشروع جديد يحمل لواءها. وهنا، لا حل إلا بالتقليل من عدد الدول الفاشلة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ودعم سيطرة الدولة على حدودها، والتعاون الأمني والاستخباراتي لضبط حركة السلاح، وتنقل المقاتلين الجوالين، ووضع خريطة طريق لحل جل الأزمات الدولية التي تنعش خلايا النحل الإرهابية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
جل البلدان العربية لا تعرف هذا النوع من النقاش، للأسف، ولا تملك مراكزها القليلة خبرة الدخول إلى هذا النوع من الموضوعات والإشكالات المعقدة، فنحن صرنا منطقةً تنتج المشكلات، والآخرون يفكرون في حلها، وللأسف على حسابنا دائماً.

دلالات

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.