"الفاشيون الجدد"

"الفاشيون الجدد"

08 فبراير 2017

ستيف بانون عقل ترامب: المهاجرون أكبر مشكلات أميركا (2/2/2017/Getty)

+ الخط -
شاع، في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، مصطلح "المحافظون الجدد"، وهم مجموعة من المفكرين السياسيين من اليمين المسيحي، ينظّرون للهيمنة الأميركية على العالم، ويعتبرون تسخير قوة أميركا العسكرية تحت غطاء ديني إحدى الوسائل لتحقيق هدفهم. ظهر هؤلاء حتى قبل عهد بوش الابن، إذ كان أول ظهور لفكرهم في أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، والتي انتهت بتفكيك منظومة الأخير. لكن وصولهم إلى مراكز صنع القرار الأميركي سيبدأ مع عهد إدارة الرئيس السابق رونالد ريغان، وسيهيمنون على قرار الإدارة الأميركية بشكل تام في عهد الرئيس بوش. 
وبسبب فكر هؤلاء "المحافظين الجدد"، خاضت أميركا حروبا مدمرة في العراق وأفغانستان، في تسعينات القرن الماضي وبدايات القرن الجديد، خلفت ملايين الضحايا الأبرياء، ودمرت بلدين تدميرا تاما، أعادهما سنوات إلى الخلف. وما زالت تداعيات تلك الحروب مستمرة تخلف الدمار والحروب في كل مكان. وفي عهد هؤلاء، أعلنت أكبر وأطول حرب عالمية ضد ما يسمونه "الإرهاب"، وهو الغطاء الإيديولوجي الذي أضفاه هؤلاء المحافظون على "حربهم المقدسة" ضد الإسلام والمسلمين، والتي مازالت مستمرة.
اليوم، ومع بداية عهد إدارة دونالد ترامب، يمكن، بكل بساطة، وصف أقرب مساعديه، وخصوصاً الشخصيات النافذة داخل إدارته بـ "الفاشيين الجدد"، وهم أكثر سوءا من "المحافظين الجدد"، ويجب توقع ما هو أسوأ في عهد حكمهم الذي بدأ مع تنصيب الرئيس الأميركي الجديد.
أحد أكبر منظّري هؤلاء الفاشيين الجدد هو أقرب مستشاري الرئيس الأميركي الحالي. إنه
 ستيفن بانون الذي يوصف بأنه "عقل" الرئيس الإيديولوجي. وبانون هذا معروفٌ بأفكاره "الفاشية"، فهو كان نشيطا في حركة القوميين البيض، ومديرا لموقع رقمي يشجع الأفكار المتطرّفة، وأحد المعجبين بريغان. وهو، كما يقول عنه مقربون منه، صاحب أفكار "متطرّفة وحادّة"، يحلم بتقوية نفوذ أميركا في العالم، حتى تحافظ على وضعها المهين.
لم تتأخر قوة تأثير بانون في تفكير الرئيس ترامب كثيرا عن الظهور، وقد بدأ تتجلى بوضوح في شعارات ترامب طوال حملته الانتخابية القائمة على "أميركا قوية مجدّدا"، و"أميركا أولا". وبالنسبة لهذا "الفاشي"، فإن المهاجرين هم أكبر مشكلات أميركا. ومن هنا معارضته سياسات الهجرة في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، وفكره هو من يقف اليوم وراء القرار المثير للجدل حظر سفر سبع دول إسلامية إلى أميركا.
أيضا، لا يخفي بانون عداءه للإسلام، لكن خطورة فكره تكمن في اعتباره أن إعادة صياغة القوة الأميركية لن تتأتى إلا من خلال حرب تخوضها أميركا، وتنصر فيها على أعدائها، وهؤلاء الأعداء اليوم، في نظر بانون، هم ما يصفهم "التطرّف الإسلامي"، في خلط متعمد بين الإسلام والتطرّف، وفي المرتبة الثانية تأتي الصين، باعتبارها عدوا اقتصاديا وقوة عالمية منافسة للهيمنة الأميركية.
ومن خلال ما تنشره الصحافة الأميركية، يقف بانون وراء كل القرارات المثيرة للجدل التي صدرت عن الرئيس ترامب، بعد أسبوعين من توليه الرئاسة، وما كان هذا ليتأتى لبانون، لولا المركز الرفيع الذي بوأه إياه الرئيس الحالي، عندما عيّنه في "اللجنة الأساسية" لمجلس الأمن القومي، وهو ما يجعله في منصب كبير مستشاري الرئيس، و"العقل الاستراتيجي" داخل الإدارة الجديدة.
يتمثل حلم بانون، كما لخصته الصحافة الأميركية، في إعادة صياغة العالم، وهو ما يحتاج إلى حربٍ، تدمر بناء العالم الحالي لإعادة بناء عالم جديد، يقوي التفوق الأميركي ويثبته. وقد بدأ الرئيس ترامب في تنفيذ "استراتيجية الهدم" هذه، من خلال انسحابه من "اتفاقية التبادل الحر عبر المحيط الهادئ"، وتهديده بالانسحاب من "اتفاقية التغيرات المناخية"، وانتقاده الاتفاقات والقرارات التي اتخذت في عهد الرئيس السابق، مثل الاتفاق النووي مع إيران، والتقارب مع كوبا، وانتقاده الاتحاد الأوروبي وسعيه إلى تفكيكه، تماما كما فعل رونالد ريغان مع الإتحاد السوفيتي.
خطورة مثل هذا الفكر الفاشي المفزع الذي يهيمن اليوم على عقل الرئيس الأميركي هو أنه 
أصبح يجد طريقه إلى التنفيذ بطريقة ممنهجة، ومن أهم مواقع صنع القرار في أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم. لذلك، لا يستغرب أن يشعل هؤلاء "الفاشيون الجدد" حروبا دموية ومدمرة، من أجل تحقيق كوابيسهم.
كتبت صحيفة الغارديان البريطانية، في الأسبوع الماضي، إنه يبدو أن ستيف بانون "يحلم بعالم دموي، وحرب مستعرة سوف تقتل الملايين، وسوف تخرج منها أميركا جديدة، وأنظف وأكثر هيمنة". وفي الأسبوع نفسه، كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الرئيس ترامب يبحث عن خلق عدو جديد لشن "حربٍ مقدسة"، تضفي مصداقية على خطابه الشعبوي والعنصري.
مجرد التفكير في مآل هذا التنظير الفاشي لو ترك لأصحابه الحبل على الغارب، بدون معارضة قوية من الداخل ومقاومة كبيرة من الخارج، تجعل فرائص العالم ترتعد من المستقبل المروّع والمفزع الذي ينتظر الإنسانية، تحت حكم فكر "الفاشيين الجدد".
بدأ فكر "المحافظين الجدد" بمعاداة الشيوعية، وبعد تفكيك منظومتها، انتهى بحربه على دول عربية وإسلامية. وبدأ فكر "الفاشيين الجدد" بمعاداة الإسلام، وهدفه تفكيك منظومته، ولا يعرف أين ستبدأ حربه المقبلة. ينتمي كلا الفكرين إلى مدرسة التطرف والعنصرية والفاشية نفسها، وكلاهما لا يمكن أن يعيش وينتعش بدون عدو مفترض وحروب مدمرة.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).