يوسف الشاهد من أزمةٍ إلى أخرى

يوسف الشاهد من أزمةٍ إلى أخرى

28 فبراير 2017

يوسف الشاهد.. هل وفي بوعده للأحزاب التونسية (14/2/2017/فرانس برس)

+ الخط -
هناك أرحامٌ تصاب أحيانا بمضاعفاتٍ يجعلها غير قادرةٍ على حماية الجنين طوال الأشهر التسعة الطبيعية قبل الولادة، فيحصل الإجهاض المتكرّر.
يبدو أن تونس أصيبت بحالةٍ شبيهةٍ، جعلت معدل بقاء حكوماتها المتتالية منذ الثورة لا يتجاوز السنة الواحدة. وهناك حاليا مخاوف من احتمال سقوط حكومة يوسف الشاهد التي لم يمر على تشكيلها سوى ستة أشهر فقط. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو لا يزال مستبعدا، إلا أن التعديل الوزاري الذي قام به الشاهد، أخيرا، قد عرّض الفريق الحاكم إلى هزةٍ من غير المعروف حجم تداعياتها على الحكومة، وعلى الوضع العام في البلاد.
استهدف هذا التعديل وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة التي كان يديرها اليساري والنقابي السابق، عبيد البريكي، وأحيلت إلى رجل أعمال وأحد مسؤولي اتحاد الصناعة والتجارة، خليل الغرياني. وعلى الرغم من أن من صلاحيات رئيس الحكومة دستوريا تغيير أي وزير ضمن فريقه، إلا أنه بحكم الطبيعة الائتلافية للحكومة، ونظرا إلى دقة الوضع، وهشاشة الحالة الاقتصادية والاجتماعية، فإن يوسف الشاهد مطالبٌ، أخلاقيا وسياسيا، باستشارة الأحزاب الشريكة في الحكم، كما أنه مدعو أيضا إلى الأخذ بالاعتبار وجهة نظر الاتحاد العام التونسي للشغل الذي انتقد بشدة التعديل الأخير، واعتبره ضربةً موجهةً إلى اتفاق قرطاج الذي بموجبه تم تشكيل الحكومة، والذي ساهم الاتحاد في صياغته والتوقيع عليه.
خرجت الحكومة بعد التعديل الوزاري أضعف مما كانت عليه من قبل. فالسيد عبيد البريكي، وإن كان يمثل شخصه، إلا أنه، بحكم كونه أحد مؤسسي حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، الشريك الرئيسي في الجبهة الشعبية، ويتمتع بدعم معنوي من اتحاد الشغل، حيث كان عضوا في مكتبه التنفيذي، وهو ما أضفى على عضويته في حكومة الشاهد بعدا رمزيا مهما. ولهذا، فإن من شأن التخلي عنه بهذه الطريقة، "المهينة" على حد تعبير المعني بالأمر، أن تضعف الحكومة ورئيسها، وتعرّضهما لمزيد من الضغط والنقد، خصوصا وأن أطرافا حزبية عديدة أكدت، قبل التعديل الوزاري وبعده، على أن يوسف الشاهد لم يلتزم بوعوده، ولم ينجح، حتى الآن، في كسب ثقة عموم التونسيين، ويجعلهم يأملون في مستقبل أفضل.
حتى حركة النهضة التي، وإن بقيت متمسكةً بدعم رئيس الحكومة، إلا أن كثيرين من قادتها غير مطمئنين للنتائج المحدودة التي تحققت إلى حد الآن، والأهم أن عديدين من كوادرها لا يثقون كثيرا في قدرات يوسف الشاهد، ولا يرون فيه رجل المرحلة القادر على إخراج البلاد من الأزمة الهيكلية التي تتخبّط فيها منذ ست سنوات متتالية. لكن مشكلة حركة النهضة تكمن في انعدام البديل الذي يسمح لها بأن تشارك في الحكم بطريقة أفضل. كما أن "النهضة" تخشى من تراجع منسوب ثقة اتحاد الشغل في الحكومة الحالية، لأنه قادرٌ على إرباكها واستنزافها، ولأن الاتحاد يشعر حاليا بالقوة والقدرة على مواجهة أي طرفٍ في البلاد، بما في ذلك الدولة التي لا تزال في حالة استضعافٍ وارتباك.
لا شك في أن حكومة الشاهد ستستمر، خصوصا وأنها لا تزال مدعومة من أحزاب الائتلاف، إلا أنها مرشحةٌ لتتعرّض في المرحلة المقبلة لمزيد من الصعوبات والتحديات، سواء الاقتصادية أو حتى السياسية، فالنقابات مقبلة على تجميع أهم هياكلها، وفي مقدمتها "الهيئة الإدارية" التي تتمتع بصلاحياتٍ واسعةٍ، لتنظيم أي شكل من أشكال المواجهة. إذ تعتقد قيادة اتحاد الشغل أن الأمر يتجاوز إقالة وزير قريب منها، وإنما هي متوجسة مما تصفها "إملاءات خطيرة " لصندوق النقد الدولي، من شأنها أن تهدّد التوازنات الاجتماعية، وتدفع نحو التخلي عن بعض المكاسب التي حققتها الدولة الوطنية.
ما يحصل حاليا يوحي بأن تونس مرشحةٌ لمزيد من الصراعات السياسية والنقابية، وإذا ما فشل الشاهد في حسن إدارة هذه الصراعات قد يجد نفسه، في لحظة ما، معزولا وفاقدا ثقة من أيدوه ودعموه، وعندها ستحصل دورة جديدة من المشاورات، لاختيار رئيسٍ لحكومة جديدة.