شكري بلعيد... "النهضة" بريئة حتى يثبت العكس

شكري بلعيد... "النهضة" بريئة حتى يثبت العكس

31 مارس 2024

تونسيون مع صورة بلعيد في العاصمة بعد الحكم على المتهمين بقتله (27/3/2024/فرانس برس)

+ الخط -

أُسدل الستار في تونس على قضية اغتيال اليساري شكري بلعيد، وصدرت أحكامٌ عاليةٌ على المتهمين، ويفترض أن يغلق ملفّ القضية نهائياً بعد أن شغلت الرأي العام طيلة السنوات الماضية، كما كشفت المحكمة الغموض الذي أحاط بالجريمة، وترتّبت عليه تأويلات وسيناريوهات وتداعيات خطيرة، أضرّت كثيراً بصورة تونس وبمسارها الديمقراطي. بيّنت الأبحاث الأمنية والقضائية أن المجموعة التي قتلت شكري بلعيد، في 6 فبراير/ شباط 2013، تنتمي إلى تنظيم أنصار الشريعة المرتبط بتنظيم القاعدة. يعني ذلك أن الاتهام الذي وجّهته أسرة الرجل، ورفاقه في حزب الوطنيين الديمقراطيين، إلى حركة النهضة وقيادتها بالوقوف وراء الاغتيال، قد سقط وثبت بطلانه. لا يوجد في تقرير ختم البحث الذي يضم خمسمائة صفحة أي إشارة إلى حركة النهضة أو إلى أي عضوٍ من أعضائها، مهما كانت درجة مسؤوليته.
كان واضحاً منذ لحظة الاغتيال أن من المستبعد وقوف "النهضة" وراء ذلك الحادث الذي هزّ تونس. صحيح أن الصراع بين الطرفين كان على أشدّه، وصحيح أيضاً أن هناك تقصيراً أمنياً في توفير الحماية لشخصية معارضة كانت حياته مهدّدة، في ظل ترأس علي العريض وزارة الداخلية إبّان حكم "الترويكا"، لكن الإقرار بذلك، وتحميل الحركة المسؤولية السياسية عن المرحلة التي تولّت فيها السلطة، لا يفضي بالضرورة إلى اتهامها بالقتل أو التخطيط له. إذ لو حصل ذلك فعلاً لعُثِرَ على معلومة، مهما كانت بسيطة، لتوريط حركة النهضة وعدّها شريكة في الجريمة. رفض خصوم الحركة هذه النتيجة المنطقية، وأصرّوا على أن القضية التي بَتّ فيها القضاء تتعلق فقط بالمجموعة التي نفّذت خطة الاغتيال، لكن الجزء الثاني المتعلق بالتخطيط لا يزال قائماً، فهم لا يزالون مُصرّين على اعتبار زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، وأصحابه، شركاء في الجريمة بطريقة ما. لهذا، اعتبر الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد القضية "متواصلة، لا سيما ملف الجهاز السرّي الذي له علاقة وثيقة بملف الاغتيال". فهل ستظهر معطياتٌ جديدةٌ قويةٌ تمسّ قيادات عليا في حركة النهضة؟ فهؤلاء موجودون في السجن منذ نحو سنة من دون أن يُزَجّوا في هذه القضية بالذات، ولم يتعرّض المتهمون لا من قريب ولا من بعيد لحركة النهضة خلال إجاباتهم عن أسئلة المحكمة.
تساءلت زوجة القاضي بشير العكرمي، القابع في السجن منذ أشهر، عن مصيره، مؤكّدة أن التقرير الذي اعتمدته المحكمة هو نفسه الذي أعدّه العكرمي وبسببه اتّهمته أطرافٌ سياسيةٌ بأبشع التهم، ولم يطرأ عليه تغيير أو تعديل، ما يعني أن زوجها بريء سجن ظلماً، والمطلوب إطلاق سراحه والاعتذار إليه. رحّبت "النهضة" بالحكم واعتبرته دليل براءتها من دم بلعيد، بعد أن كانت تخشى تحميلها المسؤولية بأي طريقة. مع ذلك، يستمرّ التوتر الأمني والسياسي والإعلامي بينها وبين السلطة، فبقاء الغنوشي وبقية الكوادر في السجن، من دون أن يطرأ أي تغيير على وضعهم، يعني أن الحركة مستهدفة. 
طبيعيٌّ أن يتواصل الاشتباك بين أطراف المعارضة، المهم أن تتغير مضامين الاشتباك وأولوياته. جميع الأحزاب والقوى الاجتماعية هُمّشت أو أُقصيت من المشهد، بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل. ويفترض، في ضوء ما حصل في المرحلة الماضية، أن يغيّر الجميع أهدافهم ووسائل العمل. يعاني الجميع من تضييق الخناق. مع ذلك، لا يزال كل طرف يعمل لحسابه، وهناك من يعتقد أن مصلحته تكمن في التضييق على شريكه في الساحة، ويشعُرُ بالسعادة كلما تعرّض هذا الخصم للمنع أو السجن، بل يساعد في التخلص منه بكل الطرق بما فيها غير الشرعية. والسؤال حالياً: ماذا بعد غلق ملف بلعيد والبتّ في قضية رفيقه محمد البراهمي؟ خاصة أن الرأي العام لم يعد يهتم كثيراً بالرواية التي تُحمّل الغنوشي مسؤولية قتل منافسيه، وقد استقال التونسيون من السياسة منذ سنوات.