العرب بعيون إثيوبية

العرب بعيون إثيوبية

17 ديسمبر 2017

(Getty)

+ الخط -
ربما يكون مهما قبل تدشين العلاقة مع أي دولة، أن تعرف كيف تنظر إليك هذه الدولة، حتى تعظم الإيجابيات، وتزيل السلبيات "الصورة الذهنية" التي ربما تعرقل هذه العلاقة. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية إثيوبيا للدول العربية، لاعتبارات عدة، أولها تاريخي/ ديني، يرتبط تحديدا بالعلاقة مع كل من مصر، وانتشار المسيحية هناك منذ القرن الرابع الميلادي، وارتباط الكنيسة الإثيوبية الأرذثوكسية بالكنيسة المصرية حتى نهاية خمسينيات القرن الماضي. وكذلك العلاقة مع الجزيرة العربية، وانتشار الإسلام إليها عبر التجار والهجرة الأولى للمسلمين إلى الحبشة. وثانيها الوضع الجيو- استراتيجي لإثيوبيا، سيما قبل استقلال إريتريا عنها عام 1993، حيث كانت تسيطر على الضفة الغربية لباب المندب الذي يمر به النفط الخليجي في طريقه إلى أوروبا وأميركا عبر قناة السويس، كما برزت أهميتها أخيرا مع حرب اليمن 2014، وما تردد عن علاقتها بإيران واستغلال الأخيرة هذه العلاقات، لتزويد الحوثيين بالسلاح. وكذلك مع أزمة حصار قطر أخيرا، وسعي كل طرفٍ إلى كسب ود إثيوبيا التي تحتضن مقر الاتحاد الأفريقي، كما تجاور دولا عربية (السودان وجيبوتي والصومال). وثالث هذه الاعتبارت ترتبط بعلاقة إثيوبيا مع إسرائيل، حيث هناك قواسم مشتركة بينهما، حيث ترى كل منهما أنها دولة دينية "يهودية/ مسيحية" في محيط عربي معادٍ لها.
هذه الاعتبارات جعلت إثيوبيا تنظر إلى العرب ليس على أنهم ليسوا دولة واحدة، وإنما قسمتهم لدوائر بحسب الأهمية النسبية لكل منها، وذلك في التقسيم الذي أصدرته الخارجية الإثيوبية عام 2002، حيث اندرج العرب تحت ثلاث دوائر أساسية: دائرة القرن الأفريقي، وضمت من الدول العربية السودان والصومال وجيبوتي. الدائرة الأفريقية، وشملت جزر القمر. دائرة
الشرق الأوسط، وهذه ضمت ثلاث دوائر عربية، مصر حيث أفرد لها الحديث مفصلا لخصوصية العلاقة بسبب مياه النيل، ثم دول شمال أفريقيا، وأخيرا دول الخليج. وقد عملت إثيوبيا من خلال هذا التقسيم على رصد الجوانب المختلفة، الإيجابية والسلبية، عن كل طرف عربي.
ترى إثيوبيا أن مصر تحتكر مياه النيل، ولا تريد لها الاستفادة منها في عملية الري تحديدا، وذلك في إطار المعادلة الصفرية، بمعنى أن طرفا يفوز بالكل مقابل خسارة الآخر كلية. بل أكثر من ذلك، رأت أن مصر تستغل نفوذها العربي في تحريض الدول العربية على عدم التعاون مع أديس أبابا. ويبدو أن هذه الصورة الذهنية السلبية الرسمية عن مصر تم تصديرها للشعب الذي بات يربط بين المصريين والاستعمار، حيث يوصف المصري بأنه مستعمر (EGYPTIAN EMPERIALISM) 
ترى إثيوبيا أن دول الخليج دول تنظر إليها على أنها دولة مسيحية، تضطهد المسلمين، وأن أحد أسباب تكريس ذلك هو التحريض المصري. وبشأن الصومال، ما يهم إثيوبيا هو عدم مطالبته بإقليم أوغادين (الصومال الغربي) الذي ضمته إليها نهاية القرن التسع عشر، وتعارض وجود حكومة مركزية قوية هناك تنادي بعودته إلى الصومال الأم. وربما انعكست هذه النظرة الإثيوبية السلبية على عديد من ممارساتها الخارجية، وتحالفاتها الإقليمية والدولية. حيث دخلت في صراعاتٍ وحروب مع الصومال بسبب حرب الأوغادين (1977-1978)، ثم تدخلت عسكريا إبّان صعود المحاكم الإسلامية واقترابها من الحكم عام 2006، وتكرر الأمر في 2011، مع بروز حركة شباب المجاهدين.
وبالنسبة للسودان، تدرك إثيوبيا أن هناك تباينات أيديولوجية ودينية مع النظام الحاكم. وقد دعمت انفصال الجنوب، فيما تتعنت في المفاوضات مع مصر بخصوص المياه، بداية من اتفاقية عنتيبي، وصولا إلى سد النهضة، حيث لا ترى أي حقوق تاريخية لمصر في مياه النيل، ولا تعترف بالاتفاقيات السابقة (اتفاقية 1902) على اعتبار أنها اتفاقية تمت صياغتها إبّان الاستعمار. وفي إطار تحالفاتها الخارجية، توطدت علاقات إثيوبيا مع إسرائيل، بغرض سحب الاهتمام المصري تحديدا إلى الجنوب، وليس إلى الشمال الشرقي. وبالنسبة لأميركا، تقدّم نفسها دولة قائدة في شرق أفريقيا، ويمكن أن تلعب دور الوكيل في مواجهة النظم ذات التوجهات الإسلامية، كما حدث في التحالف ضد السودان، بعد وصول جبهة الإنقاذ الإسلامية إلى الحكم عام 1989، حيث كانت أحد الأضلاع الرئيسة في المحور الذي أطلق عليه الرئيس الأميركي في حينه، بيل كلينتون، دول مواجهة السودان، أو في مواجهة الحركات الإسلامية المسلحة، بداية بتنظيم القاعدة، مرورا بالاتحاد الإسلامي وشباب المجاهدين، وصولا إلى "داعش". وبحسب بعض المعلومات، باتت أكبر دول أفريقيا جنوب الصحراء تتلقى منحا ومساعدات أميركية.
تتطلب هذه الرؤية والممارسات الإثيوبية من العرب البحث عن كيفية التعامل معها، ليس عبر إيجاد رؤية موحدة تجاهها، فربما يكون هذا ضربا من المثالية، ويخالف الواقعية، لاسيما مع
غياب رؤية عربية تجاه أفريقيا ككل، وإنما الذي يعنينا هو التنسيق العربي في إطار التعامل مع أديس أبابا وتحسين الصورة الذهنية، وربما تكون المدخل الثقافي والإعلامي الأكثر أهمية في هذا الشأن. إذ نتمنى أن تكون هناك قنوات عربية تنقل للعرب ماذا يحدث في إثيوبيا، ولعل قناة الجزيرة كانت سباقة في هذا، عندما افتتحت، أخيرا، مكتبا كبيرا لها في أديس أبابا. وبالتوازي مع ذلك، مهم جدا وجود قنوات عربية ناطقة على الأقل بالإنكليزية، تعرّف الإثيوبيين بالعرب، وتسعى إلى إزالة هذه الصورة الذهنية السلبية، وكيف أنهم لم يستعبدوهم، وأن الإسلام ليس قرين الاستعمار.
بدأت إثيوبيا تحسين صورتها لدى دول الخليج عبر المدخل الاقتصادي، حيث قدمت نفسها بأنها تمتلك مئات الآلاف من الأراضي الزراعية القابلة للزراعة، والتي يمكن للمستثمر الخليجي استغلالها لسد الفجوة الغذائية التي تعاني منها بلاده. وبالفعل، نجحت هذه الخطوة في جذب المليارات إليها. لذا فإن المتمنى، في المقابل، أن يقوم العرب بخطوات مماثلة، على أن يلي ذلك تنسيق ثان في مجال السياسات الخارجية، حتى لا تلعب إثيوبيا على نمط الخلافات العربية العربية (حالة حصار قطر والخلاف الراهن بين مصر والسودان) لتحقيق مصالحها.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.