التهمة: صاحب مبدأ

التهمة: صاحب مبدأ

11 نوفمبر 2017

عادل الجبير: حرية التعبير سبب للتطرّف (1/8/2017/الأناضول)

+ الخط -
"أمير قطر يعترف بدعم بلاده للثورات في الدول العربية".. هكذا عنونت صحيفة الشرق الأوسط السعودية تغطيتها حوار أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على قناة سي بي إس الأميركية مع المذيع تشارلي روز. يتضح وجه الغرابة في العنوان بسرعة من الوهلة الأولى، فالصحيفة الغرّاء تعتبر دعم الثورات اتهاما يتم الاعتراف به أو إنكاره، وكأن الأمر أصبح سبّة، وليس مدعاة للفخر والاعتزاز.
لم تكن الصحيفة وأمثالها لتجرؤ على عنوانٍ كهذا في بدايات ربيع الثورات العربية قبل انكسارها، فقد كان الكل مشاركا في "مولد" النفاق والتزلف للثورات والثوار، بعد أن غلبت كفة الشعوب في البداية، بينما كان العمل في الخفاء على إجهاض الثورات، وقتل أحلام الشعوب وتطلعاتها على أشده. وحدها قطر من بين الدول العربية التي لم تقف بوجه الثورات، ولم تنفق مئات المليارات على إفشالها، بل دعمت دول الربيع العربي في وقت تنصل فيه الجميع من تقديم المساعدة. وكان الدعم والمساندة الإعلامية الواضحة من قناة الجزيرة في أثناء تلك الثورات، وعدم التعتيم على أخبار المظاهرات، واضحا وموضوعا للأبحاث والدراسات ورسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات العالمية، في وقت التزمت فيه وسائل إعلام عربية كثيرة الصمت أو انحازت للأنظمة. ولعلنا نتذكّر هنا التهمة الأشهر، والأكثر ابتذالا التي وجهت لقطر، أنها دعمت "الإخوان المسلمين" من دون غيرهم من التيارات، وينسف هذا الاتهام الساذج أن قطر دعمت مصر بالمليارات في عهد المجلس العسكري، ولم يكن يعرف فيه أحد من سيفوز في الانتخابات أصلا، كما دعمت تونس التي شهدت تحالفا بين عدة تيارات سياسية لحكم البلاد عقب الثورة.
يجد المتابع، في الأشهر القليلة الماضية، اتهامات من هذه النوعية، خصوصا من الدول التي 
تحاصر قطر، في مقابل هجوم على مبادئ وقيم إنسانية عامة أصبحت في موضع الاتهام، فقد دعا وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الدول الأوروبية إلى التراجع عن دعم مبادئ حرية التعبير، لأن هذا "يدعم التطرّف"، مضيفا إن "الغرب يؤوي المتطرفين بحجة حرية التعبير"، وفقا لما نشره موقع قناة العربية السعودية بالنص. وبعد أن أدرجت دول الحصار مطلب إغلاق قنوات "الجزيرة" والقنوات التابعة لها، وكل وسائل الإعلام التي تدعمها قطر، وأبرزها صحيفة "العربي الجديد"، قال سفير الإمارات في موسكو، عمر سيف غباش، في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية في يونيو/ حزيران الماضي، إن هذا الطلب منطقي وواقعي، لأنه "لا توجد حرية صحافة عندنا"! أي أن السفير لا يريد أن يكتفي بقمع حرية الصحافة في بلاده، وإنما "تصدير" ذلك القمع إلى دول الجوار أيضا، بل واعتبار ذلك طبيعيا ومبرّرا، وغير ذلك هو الغريب! ولم يكتف بهذا، بل مضى إلى القول "نحن لا نعزّز فكرة حرية الصحافة" فإذا لم يكن هذا هجوما على مبدأ إنساني فماذا يكون؟ وتمثلت قمة السوريالية العبثية في استشهاد أكاديمي إماراتي بوثيقة المقاطعة التي فرضتها قبيلة قريش على فرع بني هاشم القرشي، للضغط على رسول الله، لثنيه عن الدعوة إلى الإسلام، وذلك في معرض تبرير الأكاديمي هذا حصار قطر، مضيفا "فمن تكون قطر حتى لا نقاطعها"، أي أنه يشبّه نفسه بالكفار ويفتخر بذلك، وكأنه يقول "لسنا أقل من أبو جهل، وقطر ليست أفضل من النبي محمد" (!)
عودة إلى العربية السعودية، فعلى الرغم من أن تيارات إسلامية تعلن أنها تريد إقامة الخلافة 
الإسلامية، إلا أن ذلك يمكن اعتباره شيئا جدليا، يمكن الاتفاق أو الاختلاف بشأنه، طالما أن تلك التيارات تسعى إلى تحقيق ذلك بالوسائل السلمية، حتى لو اختلفنا معها، أما أن يعتبر ما يسمى "مركز الحرب الفكرية" التابع لوزارة الدفاع السعودية جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، لأنه "يخطط لإقامة الخلافة الإسلامية" فهذا هو غير المفهوم على الإطلاق. بل واعتبر أن إرشاد "الإخوان" أتباعهم إلى ضرورة "التعايش" حتى في ظل غياب تلك الخلافة من أدلة إدانة "الإخوان" وأتباعهم، فقد أصبح التعايش تهمةً، وأصبح "الإخوان" متهمين، لأنهم يتعايشون، ولا يرفعون السلاح، مثل "داعش" وتنظيم القاعدة!
وإذا كانت صحيفة الشرق الأوسط مملوكة لإحدى دول حصار قطر، فإن واحدةً أخرى من هذه الدول، هي مصر، تفنن نظامها في مثل تلك الاتهامات المضحكة، لكن هذا حديث آخر يطول، ويستحق إفراد مقال منفصل لسرد جزء قليل من تلك المساخر التي اشتهر بها النظام هناك.
في مشهد عبقري من فيلم "البيضة والحجر"، كان الفنان الراحل أحمد زكي يقوم بدور معلم في مدرسة، وخضع للتحقيق، لأنه يدعو إلى "مبادئ" أثارت قلق إدارة المدرسة. وفي أثناء التحقيق، سئل عما إذا كانت لديه مبادئ في حياته، فأكد أنه بالفعل لديه مبادئ، فكتب المحقق "وقد اعترف أمامنا بأنه صاحب مبدأ"! يلخّص هذا المشهد حال دول الحصار وسياستها مع مخالفيها من أصحاب المبادئ، وكذلك واقع منطقتنا البائسة في زمن انكسار الثورات.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.