حصار قطر... تهافت خطاب التحالف الخليجي المصري إعلاميّاً وسياسيّاً

حصار قطر... تهافت خطاب التحالف الخليجي المصري إعلاميّاً وسياسيّاً

20 يونيو 2017
إعلام دول الحصار ادعى تراجع الحركة بمطار حمد(العربي الجديد)
+ الخط -

بعد مرور أكثر من أسبوعين على الحصار الذي فرضته المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر على دولة قطر، استطاعت الدوحة الصمود واستيعاب الصدمة الأولى، وهو ما يعده مراقبون نجاحاً إعلامياً وسياسياً لخطة مواجهة الحصار القطرية، والتي نجحت في تفكيك خطاب الدول الخليجية الثلاث ومصر، وإثبات تهافته وضعف حججه وتناقضاته المرتبكة وفق ما توثقه المادة التالية.

ضربة البداية: مفاجأة خطاب التخويف

يمكن القول، إن حملة الدول المحاصرة لقطر، انطلقت وفق مبدأ "الصدمة والرعب" عبر مجموعة كبيرة من الإجراءات العدائية لتحقيق نصر سريع، رافقتها حملة إعلامية وسياسية موازية هدفت إلى تصوير الآثار الفورية لهذه الإجراءات على المواطنين والمقيمين في قطر، وفي هذا الصدد نشرت قناة الإخبارية السعودية، في اليوم الأول للأزمة صوراً لرفوف بضائع فارغة في المجمعات الاستهلاكية في محاولة للإيحاء بوجود أزمة نقص في المواد الغذائية، من أجل دفع المواطنين والمقيمين إلى الشعور بالذعر والاندفاع لشراء تلك المواد بما يخلق أزمة حقيقية بدلاً من تلك المفتعلة.

ونشرت قناتا العربية السعودية وسكاي نيوز عربية الإمارتية صوراً لمطار حمد الدولي في العاصمة القطرية، توحي بتحقيق الحصار أهدافه بفرض عزلة على البلاد وعدم وجود رحلات من وإلى المطار، على عكس حقيقة الوضع، إذ تمضي الحركة في المطار بسلاسة طبيعية وضمن مستوياتها المعتادة وتطير جميع الرحلات في مواعيدها ووفق الجداول الزمنية الموضوعة، وهو ما بدا في جولة نظمتها إدارة المطار للصحافة المحلية والدولية قبل أيام.


الخطاب القطري الداخلي: طمأنة المواطنين والمقيمين

في المقابل لجأت السلطات القطرية إلى تقديم حزمة من الخطابات المتكاملة لمواجهة الأزمة، إذ حرصت على إنتاج خطاب داخلي يهدف إلى طمأنة المواطنين والمقيمين إلى عدم تأثرهم بإجراءات الحصار، وهو ما أكدت عليه عدة بيانات صادرة من وزارة الخارجية ومجلس الوزراء في قطر، كما قامت وزارة الاقتصاد والتجارة بتصوير الأسواق والمجمعات الاستهلاكية وهي ممتلئة بالبضائع والمنتجات للرد على حملات الإعلام في الدول الثلاث بعد ساعات من الحصار، كما انتشرت صور البضائع التركية التي جاءت عبر الجسر الجوي بين أنقرة والدوحة، وانطلقت حملات عفوية من مواطنين ومقيمين للتشجيع على شراء المنتجات المحلية القطرية، وقامت إدارة ميناء حمد البحري بإطلاق حملة إعلامية كبيرة بالتعاون مع وسائل إعلام عديدة بهدف التعريف بالميناء ودوره في توفير معظم البضائع للسوق القطرية.

الخطاب الخارجي: تركيز حقوقي

على المستوى الخارجي، لجأت الحكومة القطرية إلى منظومة الخطاب المرتكز على قواعد حقوق الإنسان، من أجل توضيح نتائج وآثار الحصار للشارع العربي والمجتمع الدولي، إذ كشفت ووثقت لمعاناة الأسر الخليجية المشتركة، والتي تعرضت لشتيت شملها جراء الحصار، بالإضافة إلى منع المعتمرين القطريين من دخول مدينتي مكة والمدينة المنورة، وهنا برز دور اللجنة القطرية الوطنية لحقوق الإنسان في ذلك الملف عبر توثيق الضرر الذي أصاب آلاف الأشخاص والعائلات جراء الحصار، وتقديم الشكاوى إلى مؤسسات حقوق الإنسان الدولية والمطالبة بتعويضات، وبالتالي تم وضع الدول الثلاث في حالة الدفاع، وأجبرت على إصدار البيانات تلو الأخرى للدفاع عن موقفها وتبريره أمام شعوبها وفي المحافل الدولية.

أدى الأداء الممتاز للمؤسسات القطرية في إدارة الأزمة إلى انقلاب السحر على الساحر، بعد أن تم تدويل الأزمة ووجدت المطالبات القطرية صدى لدى الحكومات والمؤسسات الدولية، إذ طالب وزير الخارجية الأميركي بتخفيف الحصار، مذكراً الدول الثلاث بأنهم يقومون بحصار دولة مسلمة في شهر رمضان!، وأعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد عن خشيته من أن تؤدي القرارات المتخذة إلى المساس بحقوق الإنسان. وهو ما انعكس بسرعة على مستوى دول الحصار عبر إصدار الدول الخليجية الثلاث قراراً بمراعاة الحالات الإنسانية للأسر القطرية الخليجية المشتركة. وبعد أن كانت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية تتفاخر باستخدام لفظة "الحصار" المفروض على قطر و"العزلة" التي تعاني منها، والمعاناة التي يعاني منها القطريون والمقيمون في إيجاد احتياجاتهم المعيشية الأساسية، تراجعت نفس وسائل الإعلام عن ذلك الخطاب واتبعت خطاباً آخر يقلل من نتائج الحصار، ووصفت قناة العربية الإجراءات التي اتبعتها الدول الثلاث تجاه قطر بأنه "مقاطعة" وليس حصاراً، وسارعت باقي وسائل الإعلام في الدول الثلاث إلى التأكيد على أن البضائع متوفرة في قطر ولا توجد أي مشكلة، بعد أن كانت تقول العكس، إلا أنها فشلت في فرض مصطلح المقاطعة، واستمر مصطلح "الحصار" مسيطراً لدى الحديث عن "الأزمة سياسياً وإعلامياً والإعلامي العالمي"، خاصة مع رفض أمير، قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تلبية دعوة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالذهاب إلى الولايات المتحدة لبحث الأزمة، وتأكيده أنه لن يترك بلاده وهي في حالة "حصار" وفق ما جاء في خبر نشرته وكالة رويترز، الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية للمطالبة بتخفيف الأمر.


انتصار الخطاب الأخلاقي

جانب آخر هام تفوقت فيه قطر على خصومها، يتعلق بالمعركة الأخلاقية، إذ نجحت الدوحة في تأكيد صورتها باعتبارها طرفاً مظلوماً يتعرض لحملة غير أخلاقية، وساهم في دعم هذا الأمر عدم قيام الحكومة القطرية بأي إجراءات مماثلة لإجراءات الدول الثلاث، إذ لم تحجب أي مواقع إعلامية، ولم تغلق مكاتب أي وسيلة إعلامية أو خطوط طيران، ولم تغلق مجالها الجوي أو حدودها البحرية، ولم تطرد رعايا الدول الثلاث أو أي من أفراد العمالة الخليجية قليلة العدد أو المصرية كثيفة العدد، وأكد بيان مجلس الوزراء القطري أن رعايا تلك الدول لهم كامل الحرية في البقاء والعمل داخل البلاد، كما أكد وزير الخارجية القطري أن بلاده ملتزمة باتفاقها مع الإمارات لإمدادها باحتياجاتها من الغاز وأنها لن تقوم بنقض الاتفاق مثلما فعلت الإمارات في ملفات أخرى عديدة. كما لم تجرم قطر التعاطف مع الدول التي تحاصرها مثلما فعلت الدول الثلاث عندما قامت بتجريم إبداء التعاطف مع قطر، بعد أن وجدوا أن سرديتهم للأحداث غير مقنعة لأحد حتى مواطنيهم.

وأصدر مكتب الاتصال الحكومي القطري بياناً ناشد فيه المواطنين والمقيمين بعدم الانجرار للإساءة إلى أي طرف على مواقع التواصل الاجتماعي، مع التأكيد على حق كل مواطن ومقيم في التعبير عن رأيه بحرية، وهي إجراءات كفلت لقطر التفوق الأخلاقي الواضح على خصومها، وهو ما حصدته الدوحة بمظاهر التضامن الشعبي الواسعة معها في شوارع الوطن العربي، خاصة قطاع غزة الذي يحمل مواطنوه امتناناً كبيراً لقطر لمشاريعها الإنسانية والإغاثية الكبيرة هناك، بل ووجدنا مظاهر التضامن تلك حتى في الدول التي قطعت حكوماتها العلاقات معها، مثل موريتانيا وجزر القمر، وتضامن الجمهور التونسي مع قطر برفع لافتة تعبر عن كراهيتها للحكام الذين تركوا إسرائيل وحاصروا قطر.


من الهجوم إلى الدفاع: تناقضات خطاب الدول المحاصرة

أدى الانتصار في معركة الخطاب وإبراز الإجراءات الظالمة بحق قطر على المستوى الدولي إلى تنازلات عديدة قدمتها دول الحصار قبل البدء في أي عملية تفاوضية، بدءاً من قرار مراعاة الأسر المشتركة، مروراً بتخفيف قيود عبور الطيران بعد تدخل هيئة النقل الجوي الدولية والمنظمة الدولية للطيران المدني، وأبدت دول أوروبية رفضها للحصار مثل ألمانيا، ودعت جميع الدول الكبرى إلى حل الأزمة عبر الحوار، وهي خسائر مبدئية مرشحة للزيادة، نظراً لأن الدول الثلاث استنفدت كافة الإجراءات التي كان يمكن اتخاذها منذ اليوم الأول للأزمة، ولا تمتلك حالياً أي أوراق تصعيد أقوى من تلك الإجراءات، وهو ما ظهر في محاولة التصعيد البائسة بالإعلان عن قائمة إرهاب استهجنتها الأمم المتحدة في اليوم التالي لصدورها ولم تحصل على أي اعتراف دولي، وبالمثل فإن أي إجراءات أخرى ستتخذها الدول الثلاث بعد ذلك ستبدو هينة وتافهة مقارنة بالإجراءات الأولى، وهو ما يجعل الدول الثلاث تخسر باستمرار معركة الخطاب في تصوير نفسها بمظهر المنتصر أو المتحكم بالأزمة. وهو ما عبر عنه مسؤولون بالإدارة الأميركية لصحيفة واشنطن بوست، قائلين إن خطوة قطع العلاقات مع قطر "لم تطبخ بصورة كافية، ولم يوضع لها مخرج"، الأمر الذي وجدناه واضحاً في خطاب الإعلام السعودي والإماراتي، الذي انزلق إلى منحدر جديد غير مسبوق في فبركاته وتلفيقاته، حتى إن رئيس تحرير صحيفة عكاظ جميل الذيابي رأى خلال مشاركته على قناة العربية السعودية أن قطر لابد أن ترضخ لأن المعدة القطرية ليست معتادة على المنتجات التركية، وزعمت صحيفة الرياض السعودية أن المنتجات الإيرانية المرسلة إلى قطر مسرطنة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، وادعت قناة العربية في تقرير أعادت تحريره نقلاً عن "رويترز" أن الأبقار في قطر تعاني من ارتفاع درجة الحرارة ونقص الحليب، كما حاولت وسائل إعلام سعودية اتهام قطر بالمسؤولية عن محاولة اغتيال العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، رغم أن المتهم بمحاولة الاغتيال يعيش حالياً في أبوظبي، ودخلت الصحف المصرية على مزاد الاتهامات واتهمت قطر بالمسؤولية عن محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك في أديس أبابا، وهو ما يؤشر على مدى الإفلاس الذي يعاني منه خطاب الدول التي تحاصر قطر وعدم قدرتها على إقناع أحد بخطابهم المتهافت والمرتبك.

وبعد أن كانت الأذرع الإعلامية والمليشيات الإلكترونية السعودية والإماراتية تصعد خطابها وتتحدث بغرور وصلف كبيرين ضد قطر على مواقع التواصل، تراجعوا بعد ذلك وأصبحوا يتحدثون عن "الشقيق" الذي يستعين بالأغراب ضد أشقائه، وكأن تحريضهم المتواصل ضد قطر لدى الولايات المتحدة وإدارة ترامب، وإعلانهم عن تقديم قائمة مطالب إلى الإدارة الأميركية ليس استعانة بالأغراب، حتى إن وزير الخارجية السعودي قال، إنه ليست هناك مطالب من قطر وإنما "شكاوى" سيتم تقديمها إلى الدوحة للتعامل معها.

ورغم أن الوقت لا يزال مبكراً على الجزم بانتهاء الأزمة أو حتى انحسارها، وكذلك الإعلان عن الطرف الفائز فيها، إلا أن مراقبين ومحللين يعتبرون أن الخطاب القطري انتصر في المرحلة الأولى، وحتى هذه اللحظة، سياسياً وإعلامياً وشعبياً وأخلاقياً.