أميركا تستعيد المبادرة في سورية

أميركا تستعيد المبادرة في سورية

28 فبراير 2016
+ الخط -
بغض النظر عن الصعوبات التي تعتري تنفيذ الاتفاق الأميركي ـ الروسي لوقف الأعمال العدائية في سورية، من حيث آليات مراقبة وقف النار والتمييز بين مناطق سيطرة فصائل المعارضة وتلك المدرجة تحت قائمة الإرهاب، فإن الاتفاق يؤسس لمقاربة جديدة في سورية، تتجاوز ما كان سائداً طوال الأعوام الخمسة الماضية.
لا يتعلق الأمر فقط بوقف إطلاق النار ومحاربة التنظيمات الإرهابية وإطلاق عملية سياسية فحسب، بل، وهذا هو الأهم، بإعادة الولايات المتحدة قراءتها الجيواستراتيجية لهذه الأزمة، بعدما وصلت التطورات الداخلية والإقليمية المرتبطة بالأزمة السورية إلى حدٍّ يهدد بتفجير المنطقة بكاملها.
تقوم المقاربة الأميركية الجديدة على أن العملية العسكرية الروسية حقّقت نتائجها في إزالة التهديد العسكري الذي واجهه النظام، لكن الاستمرار في هذه العملية أكثر سيهدّد العلاقات السائدة بين القوى العسكرية المحلية، بعدما لاحت بوادر صراع بين القوى الكردية وفصائل المعارضة، لا تريده واشنطن، كما أن العملية الروسية قد تؤدي، إذا ما استمرت أيضاً إلى دفع فرقاء إقليميين للتدخل في سورية، من شأنه أن يهدّد قدرة واشنطن على الاستمرار في إدارة الأزمة والتحكم بها.
وقف الأعمال العدائية الآن يعني، بالنسبة لواشنطن، الحفاظ على حدٍّ معقول من الوجود العسكري للمعارضة، بحيث لا تكون في موقع الرابح ولا الخاسر، فضلاً عن أن وقف النار سيحافظ على حدودٍ معينةٍ لمصالح حلفاء واشنطن في سورية.
كما أن وقف الأعمال العدائية سيوقف تدحرج البلاد نحو التقسيم، بعدما ظهرت بوادر مهمة تدعم ذلك، بدءاً من الأكراد في الشمال السوري، ومحاولتهم ربط الكانتونات الثلاثة من أقصى الشمال الشرقي إلى أقصى الشمال الغربي، وليس انتهاءً بالإيرانيين الذين يستكملون عملية تغيير ديمغرافي قسري في البلدات المحاذية للبنان، من ريف حمص الشمالي الغربي إلى ريف دمشق في القلمون الغربي، ناهيك بجبال العلويين التي تحولت إلى قلعةٍ منعزلة.
وتخشى الإدارة الأميركية، إن استمرت الحرب أكثر من ذلك، أن تنتقل هذه المحاولات من القوة إلى الفعل، بحيث تصبح أمراً واقعاً لا سبيل إلى تغييره، وتهدّد الوحدة الجغرافية لسورية في منطقةٍ لا تتحمل تبعات ذلك. وكان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، واضحاً أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، حين قال إنه "يصعب إبقاء سورية موحدة إذا استغرق إنهاء القتال فترة أطول".
وهنا، يأتي الهدف الثاني من الاتفاق الأميركي ـ الروسي المتعلق بالعملية السياسية، حيث أن
وقف الأعمال العدائية، كما جاء في البيان، يفصل بين المستويين العسكري والسياسي، وهذا يخالف البند الخامس من قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي ينص على ".. يسلّم مجلس الأمن بالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملاً ببيان جنيف لعام 2012، وبضرورة التعجيل بالدفع بكلتا المبادرتين، ويعرب، في هذا الصدد، عن تأييده وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سورية.. على أن يدخل حيز النفاذ، بمجرد أن يخطو ممثلو الحكومة السورية والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقالٍ سياسيٍّ برعاية الأمم المتحدة".
لقد قُلبت العلاقة بين المستويين في البيان الأميركي ـ الروسي، وهذه نقطة لصالح المعارضة، وتسحب البساط من تحت أقدام النظام الذي طالما حاول الهروب من الاستحقاق السياسي، تحت عنوان أولوية محاربة ما يسميه "الإرهاب".
والأهم من ذلك أن عملية الفصل هذه بين المستويين تمنع استثمار أي طرف، لاسيما النظام، من الانتصارات العسكرية على طاولة المفاوضات، وكنت أشرت، قبل نحو عامين، إلى أن المقاربة الأميركية، في هذا الصدد، تقوم على الفصل الحاد بين الميدان والسياسة، أو نتائج المعارك العسكرية ونتائج مفاوضات السلام، فهدف استمرار المعارك يتجاوز مسألة بقاء الأسد أو خروجه من السلطة، النتائج العسكرية لا يمكن أن تحدّد النتائج السياسية. والحقيقة أن هذه المعادلة لم يفهمها صناع القرار في النظام، سواء حين أعلن الأسد رفضه وقف إطلاق النار وأصرّ على المضي في المعارك، أو حين أعلن عن إجراء انتخاباتٍ تشريعية في إبريل/ نيسان المقبل. وفي الحالتين جاءه الرد من موسكو، في الأولى من المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركن، وفي الثانية من الخارجية الروسية، حين أعلنت أن الانتخابات في سورية يجب أن تجرى على أساس اتفاقات بين الحكومة السورية والمعارضة، وبعد تبني دستور جديد للبلاد، وفقاً للمادة الرابعة من قرار مجلس الأمن 2254 التي تنص على إجراء انتخاباتٍ بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، أي بعد صياغة دستور جديد.