أي رئيسٍ مُقبلٍ لفرنسا؟

أي رئيسٍ مُقبلٍ لفرنسا؟

04 ديسمبر 2016

هل يصل فيون إلى الإليزيه؟ (1/12/2016/فرانس برس)

+ الخط -
في باريس، شركة للاستشارات السياسية تحمل اسم F2، وهي تنشط في تأمين محاضرات لشخص واحد في بلدانٍ عديدة، للحديث في السياسات الدولية وعلاقاتها، كما للكلام عن المنظومات الاقتصادية النيوليبرالية "المفيدة" والمنصوح بها. شخصٌ واحدٌ إذا يعمل فيها وتحمل اسمه، كيف؟
إنه فرانسوا فيون، المرشح اليميني المنتخب في تمهيديات الأسبوع الماضي، وأول حرفين من اسميه، الأول والثاني، يرمزان إذاً إلى هذه الشركة التي أُسست سنة 2012 بعد هزيمة اليمين في الانتخابات الرئاسية. مشروعٌ ناجح ومُدرّ بلغ حجم أعماله بين 2012 و 2015، بحسب صحيفة لو كانار أونشينيه، ما حصيلته 624 ألف يورو. دُفع هذا المبلغ بالكامل راتباً لشخصه الكريم بمعدل 18 ألف شهرياً، يُضاف إلى راتبه نائباً في البرلمان، والبالغ 5357 يورو.
النشاط المُربح إذاً هو محاضرات ألقاها السيد فيون، المرشح الأوفر حظاً للفوز بانتخابات مايو/ أيار المقبل الرئاسية، خصوصاً بعد إعلان الرئيس الحالي، فرانسوا هولاند، عن نيته عدم الترشّح للانتخابات في سابقةٍ نادرة. اختار السيد فيون دولاً غير معروفة بتعلّقها بمبادئ الديمقراطية، أو بمفاهيم حقوق الإنسان، أو بالقيم الجمهورية، لتقديم خدماته. منها كازاخستان وروسيا وإيران. ولمحض المصادفة، في برنامجه السياسي، في شقّه الخارجي، يدعو المرشح إلى التقارب مع هذه الدول، وتعزيز العلاقات السياسية، كما الاقتصادية.
يحمل البرنامج الاقتصادي للمرشّح فيون نقاطاً إن نُفّذت ستقلب المشهد الاجتماعي الفرنسي رأساً على عقب، إذ ينوي تمديد وقت العمل الذي حدّده قانونٌ اشتراكي سابق بما لا يتجاوز 35 ساعة أسبوعياً. وعلى المؤسسات الاقتصادية أن تفاوض العاملين فيها على الساعات الملائمة للجانبين، في حدٍّ لا يتجاوز 48 ساعة. وهذا ما يترك حريةً غير مقوننة لرأس المال في فرض ساعات عملٍ طويلةٍ لا تلائم الاحتياجات الاجتماعية والثقافية القائمة في فرنسا منذ عقود. ويقترح برنامجه إيجاد فرص عمل من خلال تهديد مبدأ العدالة الاجتماعية، بإعطاء أرباب العمل حرياتٍ واسعةً في تحديد الرواتب والأجور، مع عقود عملٍ شديدة المرونة، يمكن أن يعمد رب العمل إلى فسخها، متى قدّر أن هذا ضروري. الحماية في العمل إذا غير مصانة، لا من ناحية ساعاته، ولا من جهة مردوده، ولا حتى من حيث استدامته.
إضافة إلى هذا العنف الاقتصادي بحق الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فهو يعد بتخفيض الضرائب
بشكل كبير على الأغنياء، لتشجيعهم على الاستثمار، وعلى أن يغتنوا أكثر. كما يسعى إلى تخفيض عدد موظفي الدولة، والتي تعاني الآن من انخفاض عدد العاملين فيها، بمقدار نصف مليون ويزيد، سعياً، كما يدّعي، إلى تخفيض الإنفاق الحكومي.
في السياسة المحلية، يقترب فيون كثيراً من تيار الكنيسة التقليدية الذي أبعدته أساساً روما عن السيطرة على الكاثوليكية الفرنسية. وهو يتأبط "القيم العائلية" مشجباً يضعه في كل تصوراته عن مستقبل التعليم والزواج والحياة العائلية. وكان قد ناصر مظاهرات أقصى اليمين، قبل تطرّفه، المعارضة لتشريع الزواج المثلي. وهو يُصرّح بالشيء وبنقيضه، في ما يتعلق بمسألة الحق في الإجهاض. ويعتبر موقفه من الهجرة والأجانب الأكثر قرباً من الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية المتطرّفة، مما يُعزّز الاعتقاد بأنه حصل على أصوات هذه المجموعة الأقرب إلى الفاشية.
سياسياً، إضافةً إلى هناته الصادمة من خلال تصريحاتٍ حول أن "الاستعمار كان يهدف إلى تقاسم الثقافة"، لا ينفكّ يتحدّث عن أحداث عالمية بضحالة معرفية شديدة، تكاد تكون مصطنعةً لتمرير بعض الأفكار المتطرفة. وفي أحاديثه عن سيادة الدولة، يمزج مسألة الهجرة في التهديدات المحيقة بها. ويعتبر أن لديه دوراً شبه مقدّس للسعي إلى حماية مسيحيي الشرق. وفي هذا، هو لا يؤمن البتة بأنهم مهددون، كما سائر ساكني هذه المنطقة، أولا وأساساً من أنظمة مستبدة استخدمت مسألتهم للمقايضة، بل هو يعتقد أن دعم الطغاة في سبيل دفعهم إلى "حماية" الأقليات هو أنجع الوسائل. وفي هذا، هو من أشد المعجبين بسياسات فلاديمير بوتين، الذي تجمعه به صداقة شخصية من خلال اللقاءات غير الرسمية المتكرّرة على هامش زياراته العديدة إلى موسكو لإلقاء محاضراته الاستشارية المدفوعة بسخاء (...).
وصلت درجة فرحة الكرملين بنجاح فيون في الانتخابات التمهيدية إلى أن عنونت إحدى
الصحف المقرّبة منه "الجمهورية الفرنسية تنضم إلى التحالف الروسي". ويبدو أن إعجاب فيون بالقيصر الروسي الجديد قائم على فهم قاصرٍ لمبادئ الديغولية التي كانت تسعى إلى الموازنة في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. ومن خلال هذا التبسيط في فهم المسعى الديغولي النبيل، فقد أيّد ضم القرم إلى روسيا، وأبدى إعجابه بمساعي روسيا للقضاء على الإرهاب في سورية (...)، كما أنه اعتبر أن بشار الأسد (السيىء بنظره) حليفٌ لا مناص منه لمواجهة التطرّف الإسلامي.
يبقى أن نعرف أن جزءاً من اليسار الفرنسي انتخب فيون لمنع آلان جوبيه من الوصول إلى الرئاسة في مايو/ أيار المقبل. وقد برّر بعضهم ذلك بأنه لو تمكّن الأخير من الفوز، فسيكون هو الرئيس المقبل حتماً، ولن يستطيع أي منافس اشتراكي أن يواجهه. أما في حالة فوز فيون، فهم يعتقدون أنه من السوء إلى درجة تسمح لمرشح اشتراكي بتحدّيه. رهانٌ غبي ستثبت الأيام من خلاله أن جزءاً من اليسار الفرنسي هو من أغبى اليسارات في العالم.