محمد دحلان وذروة الانهيار

محمد دحلان وذروة الانهيار

21 أكتوبر 2016

دحلان وأولمرت في حوار في البحر الميت (22/5/2005/فرانس برس)

+ الخط -
تعرّضت حركة فتح وفصائل العمل الوطني الفلسطيني، منذ بروزها، إلى انشقاقاتٍ داخليةٍ، منها ما هو نتيجة صراعات أيديولوجية وسياسية، أملتها مفاهيم قاصرة، لم تتخلص من الثقافة القومية في أردأ صورها، في اعتناق الأيديولوجية الاشتراكية من فصائل قومية في تركيبتها التاريخية، ومنها ما يتصل باختراقات استخبارية عربية، في معظم الحالات مغلفة بخلافاتٍ سياسيةٍ تتعلق بالنظرة إلى بنيتها، أو برامجها السياسية المتعلقة بمستقبل أهدافها، من أجل تحرير فلسطين وهو الهدف الأساسي. ويرى المراجع تاريخ هذه الفصائل منذ الستينيات، بوضوح، أن الانشقاقات التنظيمية، وخروج بعض قادة هذه الفصائل على الأغلبية كان مرتبطاً غالباً بمراحل سياسيةٍ، عانت فيه الحركة الوطنية الفلسطينية أزماتٍ بسبب فوضى الولادة، وبداية تلمس طريق واضحة، بعد الخروج من شرنقة الماضي السياسي والفكري الذي جاء منه مؤسّسوها، أو بسبب هجمات شنت عليها من أنظمة عربية أو إسرائيل، وهي لا تزال غضّة البنية، ومزعزعة الثقة بالذات ومحيطه، ما أسفر عن حراك داخليّ عنيف، وتباين في الآراء حول أسباب تلك الهجمات ونتائجها التي أصابت الفصائل بتهتكٍ وضعفٍ واضحيْن.
من البدايات وإلى نهاية السبعينيات، كان الفصيلان المتنافسان على الساحة الفلسطينية حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلاّ أن الأخيرة عانت انشقاقين كسرا ظهرها، الجبهتان الديمقراطية عام 1969 والثورية عام 1972، ولم يكتب للثاني النجاح ليستقر، ويأخذ أصحابه دوراً لهم في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية، فقد كان، على الرغم مما امتاز به المنشقون من تنظير ماركسيّ في مجمل طروحاتهم، والنيات الوطنية الحسنة لمعظم الكادر الثاني والقواعد، إلاّ أن الدور الاستخباري السوري كان واضحاً في تلك العملية التي أهلكت الجبهة الشعبية، وأودت بها الى مكانةٍ دنيا في تنافسها مع "فتح"، الحركة الأقوى التي حافظت على قوتها، على الرغم من هزيمة أيلول في الأردن، قبل ذلك بأقل من عام.
عرفت الفصائل الفلسطينية كافة اختراقات عملاء على مستوى الصفين، الأول والثاني، في قياداتها بعض الدول العربية والأجنبية، مثل سورية ومصر ولبنان والأردن والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية والعراق وإسرائيل. وكان انشقاق حركة فتح عام 1983 بإدارة النظام السوري بداية تقهقر الحركة، بعد خسارة أهم القياديين العسكريين، وكوادر تنظيمية متميزة كثيرة. وإضافة الى الهزائم السياسية والعسكرية، بدأ الخراب ينخر باطن جسد الحركة الوطنية الفلسطينية، وخصوصاً بعد رحيل معظم القادة المؤسسين للحركة، اغتيالاً أو هرماً أو موتاً طبيعياً.
ربما يمكن القول إن وجود ياسر عرفات على رأس هذه الحركة منع الانهيار الشامل والكامل، فقد كان عرفات، على الرغم من كل السلبيات، يمثل عامل تماسك. وبرمزيته، كان مصدر اعتزاز وطني لأبناء الحركة الوطنية كلها، ولشعبه في كل مكان. وربما كان إدراك كل الساعين الى إتلاف الحركة الوطنية الفلسطينية، والسيطرة عليها، لمكانة عرفات، هو ما عجّل في نهايته، في مرحلة كان كل شيء فيها ينهار من حوله. لم يبق فاعلاً في الواقع من القيادة التاريخية لحركة فتح بعد رحيل عرفات سوى محمود عباس الذي تميز دائماً بسوء الأداء، حتى في النهج المعتدل الذي مثّله وقاده. وصارت حركة فتح لقمةً سائغة لكوادر الصفين، الثاني والثالث، وهم في مجملهم تنقصهم التجربة والثقافة والخبرة في إدارة شؤون الصراع.
واليوم يطل على شرفة المشهد الفلسطيني محمد دحلان منقذاً لبعضهم من ذلك الانهيار، واهماً، ومعه حسنو النيات، أنهم بالمال والعلاقات مع الدول العربية، والتشاور مع الإسرائيليين والأميركيين، قادرون على إصلاح الخراب الذي كان مبتغى تلك الأطراف، غافلين عن حقيقة أن دحلان، ابن المخيم في غزة الذي أصبح مليونيراً بلا محاسبة، يمثل أسوأ ما في تجربة "فتح" في الزمان والمكان.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.