نتنياهو يستنفر أثرياء اليهود في أميركا

نتنياهو يستنفر أثرياء اليهود في أميركا

09 يونيو 2015

شالدون أدلسون

+ الخط -
أثار تطور موجة المقاطعة في العالم BDS للاستثمارات في المستوطنات الإسرائيلية، والبضائع المنتجة فيها، حالة استنفار في أوساط الأثرياء اليهود، خصوصاً الليكوديين منهم، من أمثال شالدون أدلسون وغيره من "الغيورين" على كل ما يتصل بإسرائيل، وبالتحديد نتنياهو ومخططاته. وفي هذا الصدد، دعا أدلسون، الحاضن الأكبر لنتنياهو، إلى اجتماع خاص في لاس فيغاس، من أجل صياغة استراتيجية عاجلة لمجابهة موجة المقاطعة هذه، المتزايدة حجماً وفعالية، خصوصاً في الجامعات والمعاهد الأميركية، وحتى في صفوف الطلاب اليهود الذين يساهم معظمهم في حملة المقاطعة. إذ إن التعاطف مع هذه الموجة لدى يهود أميركيين كثيرين قد لامس العصب الحساس لدى الصهاينة وجماعات إسرائيل، طاول العصب الحساس لدى الصهاينة، والحريصين على توفير التغطية لسياسات نتنياهو، وخصوصاً الاستيطانية منها. وما كان في جعبتهم سوى توظيف ورقة اللاسامية، متناسين أن فريقاً كبيراً من اليهود الأميركيين يؤيدون هذه المقاطعة، وأن الفلسطينيين أنفسهم ساميون أيضاً. وإذا كان لذلك من مدلول، فهو أن الفكر الصهيوني، المصاب، أصلاً، بالتقوقع والانزواء ونهج الإملاء، قد بلغ حدّ عمى البصيرة والإفلاس، حيث لم يبق لديه إلا سلاح اللاسامية الذي بات مبتذلاً لمواجهة التحركات والسياسات الاستيطانية العدوانية. 
فالواقع الذي بات جلياً حتى للمتعاطفين من اليهود مع إسرائيل، أن التمادي في الاستيطان لم يعد مسألة حاجة لسد حاجة التنامي السكاني، كما يزعم نتنياهو ويخادع، بل صار ذريعة واهية لاستكمال الاغتصاب للأرض الذي سمي خطأ بالاحتلال، في حين كان، من البداية، ليس سوى عملية غزو واستيلاء منظم، تم على مراحل للأرض الفلسطينية. وهذه سياسة مدروسة غايتها تذويب واقعية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وتكون القدس عاصمتها.
طار صواب نتنياهو وجماعات إسرائيل في أميركا الذين سارعوا إلى دق النفير في أوساط المؤيدين بلا حدود لإسرائيل، مثل الملياردير أدلسون وغيره ممن دبّوا الصوت، لتحريك القوى اليهودية الفاعلة على الساحة الأميركية، لتوظيف نفوذها، واستنهاض أهل القرار في الكونغرس، المستنفر أصلاً وغيره. فمثلاً بادرت حاكمة ولاية ساوث كارولينا إلى إصدار قانون يمنع التعامل مع أي مؤسسة في الولاية، تؤيد حملة المقاطعة. ومن غير المستبعد أن يصار إلى دفع الكونغرس، الجاهز دوماً للبصم على توجهات اللوبي الإسرائيلي وكبار الداعمين مثلاً، كي يتخذ إجراء مماثلاً على شكل عقوبات، من دون التبصر بعواقب مثل هذه الخطوة، طالما أنها ترضي القوى الصهيونية الملتفة حول نتنياهو.
يبدو أن حركة المقاطعة المتنامية، والتي صارت شبكتها ممتدة إلى دول وقارات أخرى، ومنها صديقة لإسرائيل، بدأت تأخذ شرعيتها المتوسعة من كونها حركة تحاكي حملة الزعيم نيلسون مانديلا على نظام الأبارتايد. ومن هنا، على ما يظهر، كسبت من الزخم بما جعلها تنمو وتتوسع تلقائياً، كالتزام أخلاقي إنساني في مواجهة الفجور الاستيطاني، وتمادي إسرائيل في غطرستها وتحديها المجتمع الدولي والاستهانة بقراراته الدولية وإداناته المتوالية لخروقاتها وعدوانيتها الشرسة.
ما تخشاه القوى الأميركية الحريصة على إسرائيل ليس حجم المقاطعة المادية للبضائع المنتجة في المستوطنات. فهذا جانب عابر ومحدود. الخشية لدى هذه القوى أن تتحول المقاطعة إلى مناخ يوحي بأن ممارسات إسرائيل تستحق أن تكون مدانة، أو على الأقل لا تستحق التأييد. وهنا، يكمن خوف الجهات اليهودية والأميركية الحريصة على إسرائيل وتوجسها، إذ إن تآكل التأييد هو خسارة تمعن في عزلتها، بحيث يصبح من غير السهل توفير الغطاء لها في كل الحالات، كما كان سائداً طوال عقود الاحتضان الأميركي لإسرائيل.
ما يلفت في الساحة الأميركية أنه، في مقابل أدلسون وأمثاله من المؤيدين بتزمت لإسرائيل، بدأت شرائح يهودية وأميركية تدرك أن من شأن التمادي في الاستباحة أن يرتد على شكل تآكل للتأييد غير المشروط الذي ميز سياسات كثيرة للولايات المتحدة تجاه إسرائيل.