روسيا.. اقتصاد السلاح

روسيا.. اقتصاد السلاح

20 مايو 2015
+ الخط -
مؤكد أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، القادم من المؤسسة العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية للاتحاد السوفييتي السابق، يعرف أن ما هزم الاتحاد السوفياتي، في حربه الباردة مع الغرب، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، لم يكن قلة السلاح، بقدر ما كان كثرته وصناعته وتكديسه في مستودعات ضاقت به. وهو يعرف، أيضاً، أن الحرب التي يمكن أن تشن على بلاده يوماً ما لن تكون عسكرية بالشكل التقليدي للحرب، تأكد منها بعد ظهور بعض تجلياتها، عبر عقوبات اقتصادية، فرضها الغرب على بلاده، إثر الأزمة التي انغمس بها في أوكرانيا، والتي تصاعدت حدة فصولها منذ شهر نوفمبر/تشرين ثاني سنة 2013، حتى اشتعلت بعد إطاحة الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، في فبراير/شباط من العام الماضي، فالحرب بين الأقوياء أصبح لها مفهوم جديد، أصبحت حرباً اقتصادية، تراق في أتونها الأرقام لا الدماء. 

واستناداً إلى ذلك المفهوم، نجد أن العرض العسكري الذي نظمه الجيش الروسي في التاسع من مايو/أيار الجاري، في الذكرى السبعين لانتصار شعوب الاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، لا يندرج في إطار التهويل لإخافة عدو محتمل، متمثل هذه الأيام، بسبب الموقف في أوكرانيا، بالولايات المتحدة والدول الغربية. بل يندرج في إطار تسويق أسلحة جديدة تباع لفقراء الأرض، ليقتلوا أنفسهم بها، تعويضاً لخسارة البلاد المليارات، جراء العقوبات وانخفاض أسعار النفط. وفي إطار هذا التسويق، يختتم الجيش الروسي استعراضه، بمشاركته في المعرض الدولي لتكنولوجيا السلاح (سيتديف 2015) في بيرو الذي افتتح في 14 مايو/أيار الجاري، حيث تعرض فيه 12 شركة روسية منتجة للسلاح، 700 نموذج من منتجاتها.
فنظراً لاستمرار انخفاض أسعار النفط، منذ أواسط العام الماضي، ووصوله إلى أدنى مستوياته، بداية العام الجاري، تكبد الاقتصاد الروسي خسائر فادحة، لم يشهدها من قبل. هذا الاقتصاد الذي لم يستطع أن يجد له حقولاً يلعب بها خارج دائرة الطاقة من نفط وغاز، حتى صار أسيراً لها، وضحيةً لتقلبات أسعارها. وفي هذا المجال، توقعت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أن تصل خسارة روسيا، جراء تراجع أسعار النفط خلال العالم الجاري، إلى 135 مليار دولار. كما توقعت المنظمة، في تقريرها الذي صدر في 16 مارس/آذار الماضي، أن ينعكس تدني الأسعار والعقوبات المفروضة، في أحسن الأحوال، توقفاً للمشاريع الإنتاجية التي خططت لها الحكومة، قبل انخفاض الأسعار. وبالنظر إلى أن النفط يشكل 70% من صادرات روسيا إلى الخارج، يبحث الاقتصاديون الروس عن صادرات تعوض تلك الخسارة، يكون السلاح الذي يمكن أن يلقى رواجاً كبيراً في ظل التوترات والحروب التي يشهدها العالم، وخصوصاً في المنطقة العربية التي تشهد أكثر الحروب دموية هذه الأيام وأطول النزاعات.
وفي ظل هذه الظروف، اتجهت روسيا مجبرة إلى تخفيض القيود التي تفرضها عادة على بيع بعض الأنواع من الأسلحة المتطورة، وهو ما ظهر، في قرارها بيع إيران أنظمة الدفاع الجوي، نوع أس 300 التي ظلت سنوات تتردد في بيعها. وكان الرئيس الروسي بوتين قد وقع مرسوماً، الشهر الماضي، لرفع الحظر عن بيع هذا السلاح لإيران، والذي يعتبره كثيرون ثمرة بروتوكول اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وقعه الطرفان بداية العام.
وعلى الرغم من أن سورية تعد زبوناً معتاداً وقديماً للسلاح الروسي، إلا أن حربها التي أكملت سنتها الرابعة، سجلت زيادة في مشتريات الحكومة السورية الأسلحة الروسية، والذخيرة خصوصاً. وعلى الرغم من أن الأرقام تغيب عن التداول، وتبقى غير معلومة، إلا أن حجم العمليات العسكرية، في السنوات الأربع الماضية، يؤكد أن رقماً غير مسبوق من قبل قد سجل في تاريخ مبيعات السلاح الروسي لسورية. ما يفسر المصلحة الروسية في إطالة النزاع، وفي عدم الجدية في إيجاد حل، تبدت، عبر المؤتمرات التي تعقد في موسكو، في سبيل هذا الأمر.
وروسيا التي لا تزال تحتفظ بحصة من أسواق السلاح في المنطقة العربية مزودة الجزائر والعراق بقسط لا بأس به من مشترياتها، تطمح إلى العودة إلى أسواق السلاح السابقة التي كان الاتحاد السوفياتي مزودها الرئيسي في أزمنة سابقة، مثل مصر. ومن هنا، كان مشهد تقديم بوتين بندقية كلاشينكوف هدية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في التاسع من فبراير/شباط الماضي في أثناء زيارته مصر، دليل تهافته للحصول على حصة من سوقها، خصوصاً في تلك الفترة، حيث كانت مصر قد عقدت صفقة، اتصفت بسرعة إنجازها شراء 24 طائرة فرنسية حربية من نوع رافال. وقد دلت سرعة توقيع الصفقة على حاجة الجيش المصري إلى هذا النوع من العتاد، وهو ما التقطه بوتين، وحاول الحضور على المسرح المصري يومها، مزوداً محتملاً، حيث جرى الحديث عن اتفاق سياسي، يتضمن زيادة التعاون العسكري، ما أثمر تزويد مصر بأنظمة دفاع جوي، وحصول مفاوضات لتزويدها بمقاتلات نوع ميغ وحوامات.
طبعاً تحظى روسيا بحصة من سوق السلاح في الصين والهند وفنزويلا، حيث زودت هذه الدول بأسلحة تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات. كما أنها تتطلع إلى تحديث السلاح الروسي الموجود لدى تركيا. وهي تسعى إلى زيادة المبيعات لهذه الدول في العام الحالي، استجابة لدعوة بوتين، العام الماضي، إلى زيادة مبيعات السلاح في ظل تدهور الاقتصاد، بغية إيجاد فرص عمل للمتعطلين، والإبقاء على المهددين بالإرسال إلى الشارع. لكن ذلك كله لا يشير سوى إلى عجز قادة الكرملين عن إخراج الاقتصاد الروسي خارج ثنائية النفط والسلاح، بل إن نهجهم ذاك يدل على توجيه اقتصادهم ليصبح اقتصاد سلاح، يعتمدون في إنقاذه على إسالة دماء الآخرين.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.