توفيق عكاشة.. ودور البهلول

توفيق عكاشة.. ودور البهلول

08 مارس 2015

توفيق عكاشة ... بهلول معاصر جداً

+ الخط -

كَثُر الحديث عن البهلول في التراث، حتى إنه تشابه علينا، فهل هو أخو هارون فعلاً، أم هو أبو وهيب بن عمرو الصيرفي الكوفي المتشبِّب في حب آل البيت، ومن هو توفيق عكاشة، هل هو الولد المنفلت الذي يظهر مساءً، وأمامه المذيعة حياة الدرديري في بدايات نعاس، وهو يقول لها مداعباً: (أنت نعستي يا حياة؟)، فما أقرب شاشات فضائياتنا إلى (البهللة)، وما أبعد أن يكون عكاشة هو أبو وهيب بن عمرو الصيرفي الكوفي، المتشبب في آل بيت رسول الله، والذي كان يدخل أسواق بغداد على ظهر عود من القصب، وخصوصاً أن الرجل كان يظهر في ميادين مصر، ومن خلفه رجال ونساء أقل خفة في الدم من المجموعات التي تراها في قهوة "بعرة"، تتعارك مع الجرسون على ثمن المشاريب، يؤجرهم عكاشة لفرش الملاية لباسم يوسف أمام الأستديو، أو يقفون لمحمد مرسي أمام قصر الاتحادية بالشباشب، ويُخلي القضاء ساحتهم (فهل هناك بهللة أكثر طرافة من ذلك، طرافة اشترك فيها الجميع، وليس توفيق عكاشة وحده).

نعم توفيق عكاشة يمثل دور بهلول جديد جداً ومعاصر جداً، اشترت له أمه قناة فضائية بفلوسها، وتربّي له أحصنة تتناسل في مزرعة، وله خفراء في استطاعتهم، أيضاً، القتل بالبنادق، وله جلابيب بلدي، وكرافتات وبدل في عدد (الرز) غير (رز الخليج) طبعاً، لأنه كما يقول إن أمه (لا تحوجه) لأي رز من بيت أحد، لأن البيت عمران بالفريك، فالأرز عنده والفريك عنده والبط عنده والأوز يعوم في ساحات القصر، كما قالت حياة الدرديري، أما الحمام فهو في الأبراج يغني.

إذن، ماذا يريد عكاشة، حينما يعلن عن (تفليسات القناة) العديدة سنوات، من دون أن تفلس، ومن دون أن يكف عن تغيير البدل؟ أعلنها البهلول صريحة: (لا الرئيس السيسي عاوز انتخابات ولا الحكومة عاوزة انتخابات)، بعدها بأربع وعشرين ساعة خفّت نغمة البهللة قليلاً، حينما أعلنها صريحة أبو حمالات: (انسوا مفيش انتخابات إلا على نوفمبر 1015 وعليك خير)، وكانت المستشارة تهاني الجبالي، قبل الاثنين بيومين، قد فتحت القوس لآخره، وأعلنت: (أنا من رأيي عدم التفكير في أي انتخابات برلمانية، إلا بعد ثلاث سنوات). من يحرك هذه البهاليل غير المتشابهة في المظهر والشكل، وإن تشابهت في طبيعة الرسالة؟

كان البهلول يدخل الأسواق فوق عود من القصب، وقد جعله حصاناً، ومن السوق، سوق بغداد، تنطلق الحكمة من فمه. والبهلول على ظهر عود القصب إلى كل فسحات بغداد وميادينها ومساجدها وقراها وأهوازها، ثم إلى كل ولايات الخلافة العباسية على أجنحة الملح والنوادر في دكاكين الوراقين والكتبة. الآن البهاليل الجدد في غير الحاجة إلى أوراق وأحبار، طالما عين الكاميرا مفتوحة وساهرة، وحياة الدرديري صاحية، وعكاشة في أول صهللته، وذكر البط في قاعة الفندق، ينتظره في طبق الفريك، فلماذا لا يبهلل ويبهلل، وما حاجته للقصبة أو أسواق بغداد، والناس حول الشاشات في انتظاره، بعدما فقدوا الأمل في أي شيء سوى أن تتفضل عليهم الدولة (ببهاليل الدعاية)، وهم يحرقون بطاطين أحمد عزّ أو سماده، وكأن الحكومة، فعلاً، وزعت عليهم الأطيان، وأزاحت عنهم بلاء عظيماً كالكوليرا.

أليست كل هذه (بهللات) يسوقها لنا النظام، ترحماً بنا وبحالنا كل ليلة، لنأكل من بطّه وأوزه ولا نشبع أبداً. فما المطلوب من نظام استبدل بهلولاً كان يرمي للناس الحكمة، وهو على ظهر عود من قصب ببهلول آخر أكثر شياكة، وله ضحكات وقفشات وسرحات ومساخر ونظريات، وعوجة فم، ولزمات تثير الضحك أمام كاميرا، وفي كامل الشياكة، ومن أمامه سيدة في كامل زينتها وذهبها وكحلها، وكلما داعبها النعاس قليلاً، قال لها: أنت نعستي يا حياة؟. فهل كان في قصر هارون الرشيد أروع من ذلك؟

علاوة على أنك تمتلك كل حريتك، فإن لم يعجبك عكاشة، فبحركة من إصبعك تستطيع أن تنتقل إلى أي مكان آخر، كأحمد موسى أو محمد الغيطي، وناموا، حتى، على كوابيسكم. (مفيش انتخابات)، (وأعلى ما في خيلكم اركبوه)، (واللي يعرف أمي يروح يقول لها).