إهانة رئيس

إهانة رئيس

11 أكتوبر 2015

هولاند.. وصفته مارين لوبن مساعدا لميركل (Getty)

+ الخط -
في خضم الأزمات الاقتصادية التي تنعكس، سياسياً، في دولٍ عديدة في الاتحاد الأوروبي، وفي أتون صعود اليمين المتطرف، وتطرّف اليمين التقليدي، وفشل اليسار التقليدي في تجارب كثيرة، وغوغائية التطرف اليساري، تُضيفُ المخيّلة الأوروبية أزمة قديمة/ جديدة، تتمثّل لدى بعضهم بقدوم عشرات آلاف اللاجئين إلى أراضيها. وتقفز الأحزاب المتطرفة على الفرصة لاستغلالها وتوسيع شعبيتها لدى الفئات "البسيطة". وهي تضخّم من الضغط الاقتصادي الذي سيشكله هؤلاء "الغرباء"، على الرغم من أن دراسات اقتصادية جادة عديدة أثبتت عكس ذلك. كما أن المتطرفين، ومن يغازلهم يساراً أو يميناً، يعمدون إلى التنويه إلى الدين الغالب الذي يحمله هؤلاء اللاجئون، وهو الإسلام، والذي سيشكل خطراً على مجتمعاتهم ذات "العرق الأبيض والثقافة اليهودية/ المسيحية"، كما ذكرت النائب اليمينة، نادين مورانو، في برنامج تلفزيوني أخيراً.
تناقض تصريحات غوغائية من هذا النوع الواقع والحقيقة التاريخية، تجد بسهولة من يتصدّى لها إعلامياً ومجتمعياً. لكنها تترك أثراً عميقاً في وعي فئة من المجتمع أو لاوعيها. وقد أضحى استعمال بعض السياسيين والمثقفين الإعلاميين هذه اللغة العنصرية وسيلة لاكتساب أصوات أو شعبية أو صدى مجتمعي.
بموازاة غباء تصريحات مورانو، نجد "ذكاء"، بل يمكن تسميته دهاء، مارين لوبن، ابنة المتطرف الأكبر جان ماري لوبن، وصديقة كل ديكتاتوريي العالم، وفي مقدمتهم عرّابهم الأكبر فلاديمير بوتين. إنها تستغل الفرص الإعلامية والسياسية لتستخدم لغة تنديد بالمؤسسات القائمة وأدائها في مسألة اللاجئين والمهاجرين. ولوبن هي رئيسة حزب الجبهة الوطنية، المرشح ليُنافس بقوة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد مزجت النقد بالشتائم التي وصلت، أخيراً، إلى إهانة رئيس الجمهورية الفرنسية أمام البرلمان الأوروبي. ففي لقاء يحمل رمزية تاريخية مهمة، زارت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، برفقة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ. وتحدثا أمام نواب "الأمة" الأوروبية حول منظورهما "المشترك" لحاضر الاتحاد الأوروبي ومستقبله. وحمل هذا الحدث بعداً تاريخياً مؤثراً، حيث أوضح أن بناء الاتحاد، ومستقبله، قائم أساساً على قاعدتين صلبتين، هما أعداء الأمس وحلفاء اليوم،
فرنسا وألمانيا. وألقت لوبن، المنتخبة نائباً أوروبية، مداخلة قصيرة رحبت بالمستشارة الألمانية، و"مساعدها" الرئيس الفرنسي، كما قالت حرفياً في مقدمة معلّقتها. وحملت دقائق المداخلة القصيرة كل السم الزعاف الذي يمكن أن تجترعه مخيلة أصحاب نظرية المؤامرة والخوف على "العرق الصافي" و"الاستقلال الوطني"، المنتشر بقوة في أوساط اليمين المتطرف، الفرنسي خصوصاً والأوروبي عموماً. على الرغم من الإهانة المباشرة، حافظ هولاند على هدوئه. إلا أنه أجاب، بوضوح وصرامة، في مداخلته بشأن تصوره للقيم الأوروبية المنفتحة على الآخر، والتي لا يمكن أن تعود إلى عصور التقوقع والانغلاق. وأيدته ميركل بقوة في ذلك، وهي التي تتعرّض، نتيجة سياستها المرنة بخصوص مسألة اللاجئين، إلى ضغوط تشتد أكثر فأكثر في أوساط اليمين الألماني على أنواعه.
بالتأكيد، أعجبت شتائم مارين لوبن قاعدتها الشعبية، لكنها أيضاً أعجبت حلفاءها الدوليين، وهم مكونون من عصبة أحزاب التطرف الأوروبي التي تعتمد أكثر فأكثر، سياسياً ومالياً، على سيد التطرف ومرشده الأعلى فلاديمير بوتين، فلم يعد خافياً أن روسيا تقدّم الدعم الإعلامي والمالي إلى هذه الأحزاب بطرق عدة. وتستغل روسيا القيصر بوتين، الواثق من نفسه بطريقة مرضية، والواثق من خلخلة الإرادة لدى غيره، هذه الأحزاب لترويج سياستها في المجالات كافة. فلا يخفى على أحدٍ، مثلاً، أن غالب من يعمل لترويج الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية، ويدافع عن مجازرها بحق شعوبها، شخصيات من اليمين المتطرف أساساً، كما أن زيارات تقديم "آيات الطاعة" إلى موسكو تتصاعد وتيرتها، يوماً بعد يوم.
ويعتمد الترويج، في بعض الإعلام الغربي، للحملة العسكرية الروسية في سورية، أيضاً على طرفي نقيض، وجدا أن يجمعهما "سرير" موسكو المُثلج. من جهةٍ، يمينٌ متطرف شعبوي، يغازل الفاشية في مواقفه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مقابل يسارٍ أو بقايا من يسار يبحث عن هويةٍ، وهو ما زال يرى في موسكو عاصمة للاتحاد السوفييتي، ولم يوقظه أحد بعد، ليُعلمه أن هذه "الموسكو" المُتخيّلة سقطت، أو أُسقطت.
حلف غريب بين من يُفترض أنهما على طرفي نقيض، يمكن تخفيض درجة غرابته عندما نبحث بتعمق أكثر في التحولات البينية، السهلة نسبياً، من تطرفٍ يساري إلى آخرٍ يميني. فعدد كبير من ناخبي اليمين المتطرف جاء من أوساط الحزب الشيوعي، أو المكونات اليسارية الصغيرة الأخرى. ضعفٌ في المبدأ أم ضعفٌ في الفهم والتأقلم؟ ثقافة سياسية متخلخلة أم تأثيرات خارجية مؤثّرة؟
بالنتيجة، تتحالف "الفاشية" اليمينية موضوعياً مع "الفاشية" اليسارية لترويج القمع والاستبداد في الدول العربية. وجاءت إهانة فرانسوا هولاند من ممثلتهم "المشتركة" في البرلمان الأوروبي، لتترجم الرد "المشترك" على حديثه الواضح أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة بخصوص الملف السوري.