العراق بين نبوءة بايدن وأحلام ثواره

العراق بين نبوءة بايدن وأحلام ثواره

01 يوليو 2014

بايدن مع عسكريين أميركيين في الرمادي (أغسطس/2008/Getty)

+ الخط -
كان ذلك في العام 2006، وقتها كان جو بايدن عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ديلاوير، حين اقترح تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق، ذات استقلال شبه ذاتي؛ للشيعة وللعرب السنة وللأكراد. آنذاك، اعتبر بايدن أن تطبيق مثل هذا الاقتراح سيعجّل بانسحاب القوات الأمريكية بحلول العام 2008. لم يلق الاقتراح قبولاً من إدارة الرئيس الأميركي في حينه؛ جورج بوش الابن، وقوبل برفض عراقي واستنكار لما اعتبر خطةً لتقسيم العراق.
اليوم، وبعد أن أطلت أزمة جديدة على العراق، إثر سيطرة المسلحين على مناطق ومدن سنيةٍ عديدة، ومحاصرة بغداد من عدة جهات، عادت نبوءة جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي حالياً، إلى السطح، لا سيما أن تصريحات بعض الساسة العراقيين، ومعهم عدد من صنّاع القرار في عواصم غربية، أعادت الحديث عن نبوءة بايدن، ولو بطريقةٍ أخف؛ فرئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، أعلنها صريحةً أن لا عودة للعراق إلى ما كان عليه قبل العاشر من يونيو/حزايران، اليوم الذي سيطر فيه المسلحون على مدينة الموصل (شمال)، ومنها تمددت عناصرهم إلى مدن أخرى.
ومقابل ما باتت تعرف بنبوءة بايدن، فإن رأياً آخر يطرحه وطنيون عراقيون ومؤيدوهم العرب والغربيون، موجزه أن ما يجري في العراق قد يكون بدايةً لتصحيح مسار عملية سياسية مخفقة، منذ اعتمدت واشنطن، في تركيبتها، آلية المحاصصة الطائفية، وقسمت الشعب تقسيماً لم يألفه من قبل.
يرى أصحاب هذه الرؤية الثانية أن ما يجري في العراق، اليوم، ثورة لكل العراقيين، وليست ثورة طائفة دون أخرى، وإن فجرها وخاض غمارها العرب السنّة. فهم يرون أن كل العراقيين تعرضوا للظلم والاضطهاد بدرجات متفاوتة، فحتى إن لم تكن المدن الجنوبية ذات الصبغة الشيعية قد تعرضت لما تعرضت له المدن السنيّة منذ أحد عشر عاماً، إلا أنها، أيضاً، تعاني غياب الحياة الكريمة، وتدنّي مستوى المعيشة وانتشار الفقر وغياب التنمية.
ويؤكد أصحاب هذه الرؤية أن الثورة التي انفجرت بوجه نوري المالكي، وحكومته، لا يمكن أن تكون إلا ذات صبغة وطنية، خصوصاً أن لفصيلٍ مهم من الفصائل التي اشتركت فيها؛ هو حزب البعث العراقي، امتدادات في مدن جنوبية، كما أن هذا الأمر قد يؤهل الثورة لأن تجد لها موطئ قدم في تلك المناطق، في حال رغبت الثورة بالتمدد.

قد تصطدم النيات الطيبة التي يحملها بعضهم، من الثوار أو داعميهم في الوطن الواحد، بعوارض دولية أكبر وأقوى منهم، لا سيما أن الفصائل المسلحة توقفت عن تحقيق أي نصر جديد، منذ نحو أسبوع، ونعني هنا السيطرة على مدن جديدة، ما خلا منافذ حدودية مع سورية والأردن، في حين ظلت المعارك حول العاصمة بغداد تراوح مكانها، مما قد يعرض مكاسب الثورة للخطر، ناهيك عن سعي القوات الحكومية، بزعامة نوري المالكي، إلى محاولة استعادة السيطرة على مرافق حيوية فقدتها، وخصوصاً مصفاة بيجي (شمال). وقد تعجل كل هذه الأسباب بخياراتٍ، لا تبدو مطروحة بين الإثنين؛ سواء التقسيم أو إعادة ترتيب العملية السياسية، بما يتوافق مع تطلعات الثورة العراقية.
وعلى الرغم من مضي نحو عشرين يوماً على ما أفرزته الثورة العراقية ورسمته، إلا أن واقع العراق ومستقبله ما يزال قيد المجهول، فلا الثوار حسموا المعركة ودخلوا بغداد وأسقطوا حكومتها، ولا الحكومة، بجيشها المنهار، استطاعت أن تستعيد شيئاً على الأرض مما فقدته، على الرغم من محاولتها تسويق الثورة العراقية على أنها إرهاب، بالتركيز على أن عناصرها تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية".
ويدرك العالم الذي سارع وتنادى للبحث في الأزمة العراقية أن واقعاً جديداً فرض نفسه على الأرض، وكل المؤشرات تؤكد أن عراقاً جديداً يتشكل، ومن ثم، فإن خزين العالم النفطي الذي يطفو عليه العراق بات، أيضاً، في حاجةٍ إلى رسم خريطة دولية وإقليمية أخرى، فالنفط ولا شيء غيره ما جعل العالم يتنادى لمعرفة مصير طاقته التي تتلاطم تحت أقدام العراقيين.
ربما تكون التداعيات على الأرض هي التي ستقرر إلى أين يسير العراق، فما بين نبوءة بايدن وأحلام ثواره، لا يبدو أن النهاية تقررت بعد، فلكلا الطرفين أنصار وأتباع، وأيضاً لكليهما رعاة، إقليميون ودوليون، وبين هذا وذاك، لا يبدو أن الأمور قد تحسم سريعاً، كما كان يتوقع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في مؤتمره الصحفي في بغداد، كما أن هوية العراق الجديد وشكله وتضاريسه الوجودية لن تقف عند خطوط الحدود، وإنما ستتبع ذلك ردّات وأصداء، بعضها يصل سريعاً إلى الجوار، وبعضها الآخر سيأخذ وقتاً أطول، لكنه حتماً سيصل.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...