السوداني في واشنطن... وأخيراً

السوداني في واشنطن... وأخيراً

26 مارس 2024

محمد شياع السوداني مترئساً في بغداد محادثات عن مستقبل القوات الأجنبية (27/1/2024/الأناضول)

+ الخط -

أخيراً، قرّرت إدارة البيت الأبيض تحديد موعد لرئيس الحكومة العراقية، محمد شيّاع السوداني، لزيارة واشنطن، ولقاء الرئيس الأميركي جو بايدن بعد أكثر من عام ونصف العام، على تشكيل الحكومة التي دائماً ما توصَف بأنها الأقرب إلى إيران بين حكومات ما بعد 2003، من دون أن يعني أن حكومةً جاءت بعد ذلك التاريخ لم تكن مقرّبة من إيران، ولكن هذه الحكومة تبقى الأقرب، كوْن من شكّلها هي القوى السياسية المنضوية تحت لواء الإطار التنسيقي الذي يضم قوى وأحزاباً سياسية توصف بالموالية والولائية، في إشارة إلى علاقتها بإيران.
الخامس عشر من أبريل/ نيسان المقبل هو الموعد الذي حدّدته إدارة البيت الأبيض للسوداني للقاء بايدن، أي بعد أيامٍ من ذكرى احتلال العراق الحادية والعشرين، في تاريخٍ لا يبدو أنه كان اعتباطيا من إدارة المراسم في البيت الأبيض، كما أنه يأتي في وقتٍ تحاول فيه حكومة السوداني أن تُمسك عصا المصالح من وسطها بين القوى السياسية العراقية الداعمة لها صاحبة الفصائل المسلحة التي تهدّد أميركا وقواعدها في العراق، وبين مصالح واشنطن في العراق التي يبدو أن أميركا باتت أكثر حرصا عليها من ذي قبل لأسبابٍ بعضها قد لا يتعلق بالعراق بقدر تعلّقه بطبيعة الصراعات المستقبلية التي تنتظر واشنطن. والإشارة هنا تحديدا إلى الصين، اللاعب الأكثر إزعاجا للولايات المتحدة.
المهمّ أن تحديد الموعد المنتظر قد تم، وبدأت ترتيبات تلك الزيارة التي انتظرها السوداني على أحرّ من الجمر، ومن خلفه طبعاً قوى الاطار التنسيقي التي كانت تهاجم أميركا وواشنطن ليل نهار في العلن، غير أنها كانت تتمنّى أن تحصل تلك الزيارة، لأنها تعتبر أن ذلك يعني دعماً أميركياً لحكومة السوداني، وما يتبع ذلك من تداعيات إيجابية تنعكس على أداء هذه الحكومة.

سيحاول السوداني أن يتصرّف بصفته رئيس حكومة العراق، وليس موظفاً لدى قوى "الإطار التنسيقي"، لتقديم نفسِه مرشّحاً محتملاً لمرحلة ما بعد انتخابات 2025

وطبعاً، ليس الأداء هنا المقصود منه ما تقدّمه الحكومة من خدمات للمواطن، فتلك مجرّد شعارات فارغة لا تعترف بها قوى النظام السياسي وأحزابه في العراق، وإنما المقصود عدم توقّف ضخّ الدولار في جسد الاقتصاد العراقي، وهو ما يمثل أقصى غايات النظام السياسي وطموحاته في العراق بقواه وأحزابه المختلفة، إطارية وغير إطارية.
ما زال الحديث عن ملفّات تلك الزيارة متناقضا إلى حد كبير بين ما تعلنه بغداد وما تعلنه واشنطن، فبينما قالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارين جان، في بيان إن "القادة سيؤكّدون من جديد التزامهم باتفاقية الإطار الاستراتيجي"، من دون التطرّق إلى ملف سحب القوات الأميركية، مؤكّدة أن "الرئيسين سيناقشان الإصلاحات المالية العراقية الجارية لتعزيز التنمية الاقتصادية والتقدّم نحو استقلال العراق في مجال الطاقة وتحديثه"، جاء البيان العراقي مخالفاً لذلك تماماً، فلقد أكّد مكتب السوداني أن اللقاء سيتضمّن بحث مرحلة "ما بعد التحالف الدولي"، و"الانتقال إلى شراكة شاملة بين العراق والولايات المتحدة".
تباينٌ يعكس طبيعة ما يريده كل طرفٍ من الآخر على الأقل في العلن وظاهر الأشياء، في حين تذكر بعض المصادر أن السوداني سيحاول أن يتصرّف بصفته رئيس حكومة العراق، وليس موظفاً لدى قوى "الإطار التنسيقي"، كجزء من جهوده لتقديم نفسِه مرشّحاً محتملاً لمرحلة ما بعد انتخابات 2025، أي انتخابات ما بعد حرب غزّة التي ترى فيها واشنطن أنها ستكون مرحلة مفصلية لمنطقة الشرق الأوسط.

تخشى أطراف في الإطار التنسيقي متخوّفة من زيارة السوداني من تحالف غير معلن بين السوداني وواشنطن لمرحلة ما بعد حرب غزّة

لا يخفي السوداني امتعاضه من تدخّلات "الإطار التنسيقي" وقواه في عمله، هو لا يريد أن يكون موظفا إطاريا، ولكنهم يريدونه كذلك، هناك تخوّف اليوم من تصرّفات السوداني، خشية عبّر عنها أكثر من نائبٍ من نواب "الإطار التنسيقي"، ولكن السوداني يعرف جيّدا حدوده في التعامل مع مثل هجماتٍ كهذه، فهو لا يقوى على مقاومة الإطار وقواه إن أرادوا به إقالة، بالتالي، لا بد له من سند خارجي، فهل يفكّر بواشنطن؟
ربما لا يكون السوداني هو الشخصية القادرة على الانعتاق من تحالفاته القديمة، ولكنه، في الوقت نفسه، بات يمثل لدى شريحة مهمّة من العراقيين أملا في أن يكون شخصية قادرة على عتق العراق من ربقة الإطار التنسيقي وقواه التي يراها العراقيون باتت عبئاً على العملية السياسية.
تخشى أطراف في الإطار التنسيقي متخوّفة من زيارة السوداني من تحالف غير معلن بين السوداني وواشنطن لمرحلة ما بعد حرب غزّة وانتخابات العراق المقبلة، لكنها في الوقت نفسه لا يمكن لها إلا أن تصطفّ خلف الزيارة أملا في مزيدٍ من المغانم الراهنة.
ولكن أين إيران؟ تقف إيران في خلفية كل مشهد عراقي، تراقب وتجسّ النبض وتتدخّل في الوقت الذي تراه مناسبا، فهي لا تعدم وسيلة في ذلك، ولديها كل الأوراق القادرة على قلب الطاولة لصالحها متى ما شاءت، فهي حتى اليوم ترى في السوداني خيارا جيّدا ما دام الرجل نجح في كبح جماح الغضب الشعبي الذي كان متصاعداً سنوات خلت.

قبل زيارة السوداني واشنطن، دخلت صراعات قوى الإطار التنسيقي مرحلة خطيرة، فهناك اليوم قوتان عميقتان داخل مشهد الإطار التنسيقي تتصارعان

سحب القوات الأميركية من العراق، وإن كان شعارا ترفعه قوى الإطار التنسيقي، إلا أنه يبقى مجرّد شعار، فهي أحوج ما تكون لهذا الوجود لحماية النظام السياسي في العراق أولاً، وقبل كل شيء. بالتالي، لا يتوقّع أن تسفر زيارة السوداني عن أيِّ جديدٍ في هذا الشأن، ما عدا بعض التفاصيل التي قد تتعلق بالتحالف الدولي الذي تقوده أميركا وليس بالقوات الأميركية البالغ عددها 2500 جندي.
قبل زيارة السوداني واشنطن، دخلت صراعات قوى الإطار التنسيقي مرحلة خطيرة، فهناك اليوم قوتان عميقتان داخل مشهد الإطار التنسيقي تتصارعان، نوري المالكي وقيس الخزعلي، وكلّ منهما بدأ يتقرّب إلى الصدر تمهيدا للانتخابات المقبلة.
إزاء ذلك، هل سيجد السوداني نفسَه أمام خيارٍ لا ثاني له، وهو النأي بنفسه بعيداً عن الإطار واستغلال وجوده في المنصب التنفيذي وزيارته واشنطن لتقديم نفسه مرشّحا لرئاسة الحكومة عقب الانتخابات المقبلة؟ كل شيء وارد خصوصاً أن لا اعتراض لدى إيران على شخص السوداني، ما دام يمنحها ما تريد ويستطيع، في الوقت ذاته، أن يمنح الشارع العراقي ما يريد من مسكّنات ضد الغضب والتظاهر على النظام السياسي.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...