التنسيق الأمني كلمةُ السرّ

التنسيق الأمني كلمةُ السرّ

27 يونيو 2014
+ الخط -

منطقة الظلال المشتركة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تتلخص في التنسيق الأمني، مع الاختلافات العميقة والجوهرية الباقية بين الطرفين. ومع الانسداد في العملية السياسية، بل وقتل أي متسع لترويجها، عبر سياسات إسرائيل الاستعمارية الواضحة في ممارستها وخطابها، من نوع التوجه الصهيوني القائل: إن القدس عاصمة أبديةٌ موحدة لإسرائيل، ثمَّ اشتراط اعتراف السلطة الفلسطينية بيهودية الدولة للاستمرار في التفاوض حول الحل النهائي. ومجمل هذه الأدوات الخطابية لا تتيح فسحة للوعود المستقبلية بعملية سياسيةٍ، تضمن الحد الأدنى مما يطلبه الفلسطينيون ويحق لهم.

أكد الرئيس، محمود عباس، في خطابه الأخير، أمام وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدة، بلغةٍ صريحةٍ، أهميةَ التنسيق الأمني مع إسرائيل، فهو، حسب تصريحاته، حريص على تأكيد ثبات التنسيق الأمني الذي لا يتأثر بالخلافات مع إسرائيل، كما سبق ذلك بالتأكيد على الفحوى نفسه في لقائه ناشطين من حركة السلام الآن، في رام الله أواخر مايو/أيار الماضي.

يبدو أن لا تغيُّرَ جوهري في مواقف عباس؛ فهو الواقعيُّ الصريح الذي لا يحبُّ التهويل، ولا يحبُّ أن يخوض معركةً غيرَ متكافئة، تدمِّر الشعب الفلسطيني، وتضرُّ بقضيته، وفق رؤيته التي يؤمن بها فعلاً. لكن الظرف الذي أُكِّدت فيه هذه المواقف، واللغة البالغة الصراحة والنعومة، حتى حدود الاستعطاف، من شأنها استفزاز مشاعر معظم الفلسطينيين. لذلك، حظي الخطابُ برفضٍ فلسطيني ملحوظ، وأثار جدلاً حقيقياً، وأربك مشاعر الفلسطينيين الذين لم يكونوا، في الظرف الحالي، يتوقعون من رئيسهم مثلَ هذا الموقف. فاشتبك بعضُ الناشطين، ممن واجهوا جيشَ الاحتلال في وسط رام الله، مع عناصر الشرطة الفلسطينية، بعد انسحاب جنود الاحتلال، متهمين السلطةَ بالتعاون مع إسرائيل.

تصب هذه المواقف، بالتأكيد، في الاتجاه الذي تتمناه حكومة نتنياهو، حيث السلام مقابل السلام، بل السلام مقابل الاجتياحات والاعتقالات وتعميق الممارسات الاستعمارية. إذ كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بات يدرك الدور الكبير الذي يلعبه رئيس السلطة، محمود عباس، في تحقيق المصالح الإسرائيلية". وذكر أمنون أبراهموفيتش، كبير المعلقين في القناة نفسها، أن نتنياهو يقدّر، بشكل كبير، خطاب عباس أمام وزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة أخيراً، وندد فيه بعملية الأسر، وهدد فيه منفذيها، ودافع عن التعاون الأمني مع إسرائيل.

النموذج الحالي في إدارة السلطة الفلسطينية هو النموذج الأكثر إرضاء لإسرائيل، في هذه المرحلة التي يجري فيها الحديث عن تحسين حياة الفلسطينيين اقتصادياً، لكي يحتملوا ظرفهم الاستعماري أطول فترة ممكنة. لا يخفى أن المرحلة التي بلغتْها القضيةُ الفلسطينية، بعد أن تكرّست، بفضل السلطة الفلسطينية، أوضاعٌ اقتصادية واجتماعية، لا تشجِّعُ تشكُّلَ حالةٍ نضالية حقيقية، هو وضع حرج، ولا سيما في ظل الانشغالات العربية بالمراحل الانتقالية، أو المخاوف العربية من التحولات الجيوسياسية التي تهز المنطقة. لكن هذا لا يبرر خطاباً استسلامياً يجعل في بؤرة اهتمامه التنسيقَ الأمني، ولا يراعي بالدرجة نفسها مشاعرَ الشعب الفلسطيني المكلوم والمقهور. وفي المقابل، إنَّ المناداة بوقف التنسيق الأمني، أو إنهائه، يعني الإعداد الفعلي لما بعد السلطة، ذلك أن بقاءَها مرهونٌ باستمراره.