لبنان .. حوار الضرورة والضرر

لبنان .. حوار الضرورة والضرر

26 ديسمبر 2014
+ الخط -
انطلق، قبل أيام، في بيروت، برعاية رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، الحوار الثنائي بين "تيار المستقبل" و"حزب الله"، بعد قطيعة امتدت سنوات لأسباب عديدة، في طليعتها الموقف الذي اتخذه "حزب الله" في مطلع العام 2011 بالاستقالة مع حلفائه (11 وزيراً) من الحكومة التي كان يرأسها سعد الحريري، عندما كان الأخير يهمّ بلقاء الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في البيت الأبيض، ما أدى، في حينه، إلى استقالة الحكومة بموجب الدستور الذي يقول إن استقالة أكثر من ثلث الوزراء تؤدي إلى إسقاط الحكومة حكماً. كان ذلك وقتها بمثابة صفعة قوية، وجهها "حزب الله" للحريري وفريقه، ثم جاء تورط حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري، تحت عناوين مختلفة. وقبل ذلك، كان هناك ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي تتهم فيه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عناصر من "حزب الله" بالوقوف خلف الاغتيال، أو المشاركة فيه، كما كان هناك ملف السلاح واستخدامه في الداخل اللبناني، كما جرى في السابع من مايو/أيار عام 2008. وقد أثقلت هذه العناوين العلاقة بين "التيار" و"الحزب"، ورفعت من منسوب التوتر والاحتقان السنّي- الشيعي في البلد إلى مستويات عالية، كادت فيها الأمور، أحياناً، تخرج عن نطاق السيطرة.
ا
ليوم يعود الفريقان إلى الجلوس معاً على طاولة رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، للحوار في القضايا الفرعية، وليس الأساسية، وتحت عنوان الواقعية السياسية. فقد تجاهل "المستقبل" إسقاط حكومة سعد الحريري بتلك الطريقة المهينة، وتجاهل تورط "حزب الله" بالقتال في سورية وما جرّه على لبنان، وتجاهل، أيضاً، ملف السلاح الذي أقام الدنيا ولم يقعدها لأجله، وذهب، اليوم، إلى الحوار مع "الحزب" على القضايا والملفات الفرعية، وتحت عنوان تخفيف التوتر والاحتقان المذهبي في لبنان. وللعلم، هذه الفترة في لبنان من أكثر الفترات الزمنية استقراراً وهدوءاً، وهي من الأقل توتراً واحتقاناً بين المكونات اللبنانية كافة.

إنه، إذن، حوار الضرورة بالنسبة لـ"المستقبل" على العناوين الفرعية التي لم تكن، يوماً، سبباً جوهرياً للتوتر والاحتقان، في حين أن العناوين الأساسية ظلّت خارج البحث والنقاش. حوار الضرورة لأن "المستقبل" بات يدرك أن استمرار حالة المراوحة على الصعيد اللبناني يفقده جزءاً كبيراً من شعبيته، ويأخذ من رصيده لصالح القوى المنافسة في الساحة الاسلامية السنّية، لا سيما المجموعات "الجهادية"، وعليه، وجد أن العودة إلى تبريد الأجواء، والدخول في حوار مع "حزب الله" قد يعيدان تعزيز حضوره في الساحة اللبنانية، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع عودة "المستقبل" إلى سدة الحكومة مباشرة.
في مقابل ذلك، يرى "حزب الله" أنه بحاجة إلى حوار مع "المستقبل"، أو مع أي مكوّن سنّي آخر، من أجل إثبات أنه لا يخوض معركة طائفية أو مذهبية في سورية، وحتى يضمن عدم اصطفاف المكوّن السنّي في لبنان إلى جانب مجموعات توصف بـ "التطرف"، ولكي يستمر في قتاله في سورية بشكل يضمن استقرار الداخل اللبناني، بمعنى آخر، يضمن الجبهة الداخلية. ومن هنا، أصرّ "الحزب" على عدم إدراج القتال في سورية ضمن جدول أعمال الحوار، كما رفض إدراج بند السلاح.
في مكان آخر، يجري الحديث عن حوار موازٍ، يمكن أن ينطلق، في أية لحظة، بين الخصمين اللدودين المرشحين لرئاسة الجمهورية، ميشال عون وسمير جعجع، والسبب هو القلق من اتفاق إسلامي (المستقبل - حزب الله) على رئيس وفاقي للجمهورية، يقصي كلا المرشحين خارج ساحة المباراة، ويهمّش، إلى حد بعيد، المكوّن المسيحي المعنيّ الأول والأساسي باستحقاق رئاسة الجمهورية، باعتبار أن الرئيس يجب أن ينتمي دستورياً إلى الطائفة المارونية. ولذلك، قد يدفع هذا القلق الرجلين إلى حوار من أجل نسف ما يمكن أن يتوصل إليه حوار الثنائي، "المستقبل" - "حزب الله". وعليه، فإن حواراً من هذا القبيل سيكون موازياً لذاك الحوار، إلا أن عنوانه سيكون مختلفاً، إذ سيكون حوار الضرر الذي يرمي إلى إفشال أي تفاهم حول استحقاق الرئاسة الأولى، في مقابل حوار الضرورة (المستقبل - حزب الله) الذي يتطلع كل فريق فيه إلى أهدافه الخاصة، والمحصّلة أن الناس العاديين في لبنان يدفعون الثمن في كل مرة، من دون أن يعلقوا أملاً، ولو قليلاً، على تلك الحوارات التي، وكما قال بعضهم، لن تساوي قيمة الحبر الذي ستُكتب به بياناتها.