هل هو الانتحار الجماعي في لبنان؟

هل هو الانتحار الجماعي في لبنان؟

29 يناير 2021
+ الخط -

قالت مصادر ديبلوماسية غربية في قراءتها للتطورات المحيطة بالملف اللبناني "ما يجري عملية انتحار وقتل متبادلة، وجريمة يرتكبها الجميع عن قصد أو غير قصد، ولا يعتقدن أحد أنه سيكون في لبنان في منأى عن تردداتها، وما هو متوقع من سلبيات الجميع سيدفع ثمنها، ومن كل الأطراف المتنازعة".
حفلة الجنون، يعيشها اللبناني على وقع رقص مسؤوليه على حافّة الموت، فجهنم التي وصف بها رئيس البلاد، ميشال عون، الحالة التي قد يصل اللبنانيون إليها، إذا لم يستيقظوا من جنونهم، يبدو أنهم فيها اليوم. الجميع سيدفع الثمن، ومن كلّ الأطراف المتنازعة، هذا عدا عن استدراج اللبنانيين إلى مكانٍ ما لا يتمناه أحد، وسيصلون إلى مرحلةٍ يفتقدون فيها الحق في الندم تجاه ما هو متوقع من تطوراتٍ أكثر من مستوى.
شبّه رئيس الدبلوماسية الفرنسية، وزير خارجيتها جان إيف لودريان، لبنان بسفينة التايتانيك التي تغرق من دون موسيقى. وجاء تشبيهه هذا في صلب السياسة الترامبية المتشدّدة على المنطقة، والتي كانت تفتّش عن إنجاز تقدمه للشعب الأميركي لضمان تجديده لولاية رئاسية ثانية. فكيف إذًا اليوم، والمنطقة دخلت في مدار جديد مع بداية عهد الإدارة الأميركية، برئاسة جو بادين. يبدو أن لبنان سيبقى إلى أمد غير منظور خارج دائرة الاهتمامات، وما لم تكتمل مؤسساته الدستورية، تشكيل الحكومة كأولوية، سيكون خارج دائرة التفاهمات من دون معرفة الجهة التي يمكن أن تتبنّى رعاية مصالحه.

المطلوب معرفة تدوير الزوايا، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان، وقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر

في غياب الحراك الديبلوماسي على لبنان، وسط قطيعةٍ شاملةٍ، عربية وغربية، ومع اشتداد التشابك السياسي الداخلي، واستفحال وباء كورونا، واستهتار اللبنانيين بالكارثة الصحية التي يعانيها لبنان، عبر محاولة تذاكيهم على خطة الدولة للإقفال العام، يطرح السؤال التاريخي: لبنان إلى أين؟ هل ستنتهي هذه الحفلة بانتحار جماعي بات مطلبًا لأكثر من فريق لبناني؟ أم ستتدخل الديبلوماسية الفرنسية في الوقت المناسب لإنقاذنا من جهنم؟
في قراءة هادئة وموضوعية للتشابك اللبناني بين مكوناته، تبرز صورة الانتحار الجماعي، وأخذ البلاد إلى دائرة الحرب الأهلية. كيف لا، وهذا بات مطلبًا لمختلف مكوناته، بما فيه العهد، وتياره. هل المطلوب التنازل عن صلاحياته لرئاسة الحكومة، كما يريد سعد الحريري؟ قطعًا لا، ولكن المطلوب معرفة تدوير الزوايا، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان، وقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، من أخصام العهد، الذين يدفعون البلاد إلى حالة الفوضى، كي يتهرّبوا من قانون التدقيق الجنائي، واستعادة أموالهم التي هرّبوها إلى الخارج. نعم، مطلوب منه مبادرة جدّية تجاه حليفه الرئيسي، حزب الله، ومنعه من إدخال لبنان في عزلة عربية ودولية، تحت عنوان التوجه شرقًا، حيث الشرق إلى اليوم لم يقدم شيئًا يذكر لإنقاذ الأزمة المستفحلة في لبنان.
لا يتحمّل العهد وتياره وزر سياسات عرفت بالحريرية السياسية، واستفحلت واستحكمت بمعظم تفاصيل الحكم في البلاد، وأوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من جهنم، فحزب الله، حليف التيار، لا يأبه كثيرًا بحالة الجنون هذه، فهو، وفي أكثر من مناسبة، عبّر، وبشكل واضح، على لسان أمينه العام، أنّه في أتمّ الجهوزية لأي عقوبات أميركية وعربية عليه وعلى جمهوره، فما حصل في بلدة الطفيل اللبنانية خير مثال، عندما بادر إلى دفع (عن الدولة اللبنانية) مستحقات فاتورة الكهرباء للدولة السورية، وبالدولار تحديدًا. فهذه رسالة واضحة لمن يعنيه الأمر، أنّ الحزب محصن ببيئته، وحاضنها.

بارقة أمل تلوح بالأفق، على لسان ماكرون الذي صرّح إنه ينسق مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني والوضع في لبنان

الحزب الاشتراكي وتيار المستقبل وحركة أمل وتيار المردة، وغيرها من الذين يعلنون الخصومة الواضحة والفاضحة، وبدأوا يشكلون الجبهات لعزل الرئيس عون، وتقصير ولايته. كيف لا، وهو اليوم حامل راية واحدة أساسية، تحت عنوان التدقيق الجنائي والمحاسية. طبعًا، سيطبق هذا القانون على كل من استلم السلطة منذ اتفاق الطائف (1989)، وطبعًا، سيطاول تلك الفئة التي تصطف معًا لضرب العهد، وتطيير هذا القانون، وإعلان قانون "عفى الله عما مضى"، وقلب الصفحة إلى صفحة حكم جديدة.
أمام الوضع الداخلي، الأشبه بحفلة جنون، والرقص نحو الانتحار الجماعي، لا يأبه مسؤولوه بالانحدار السلبي للبلد. بارقة أمل تلوح في الأفق، على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي صرّح إنه ينسق مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني والوضع في لبنان، بحسب ما أفادت وكالة رويتزر. وأوضح البيت الأبيض أن الرئيسين، بايدن وماكرون، بحثا العلاقات الثنائية والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، فالظاهر أنّ الرئيس الأميركي سيكون أكثر واقعية مع حلفاء الأمس، وسيبادر إلى تنازلات لحلفائه الغربيين. وقد يكون الملفان، اللبناني والإيراني، المتصلان بعضهما ببعض، من هذه الأوراق التي ستكون بيد الرئيس الفرنسي، وبتنسيق تام مع الأميركي والإسرائيلي، للوصول إلى حلّ قد لا يكون بالضرورة متلائما وطموحات بعض الأفرقاء اللبنانيين، ولكنه سيكون باب الخلاص لإنقاذ البلاد، وعودة الثقة إليه غربيًا وعربيًا. فهل الحلّ سيكون على الطريقة الماكرونية، هذه المرة، وسترتدّ إيجابًا على سياسة فرنسا الخارجية؟

B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
جيرار ديب
كاتب وأستاذ جامعي لبناني
جيرار ديب