لبنان ومتلازمة استوكهولم

لبنان ومتلازمة استوكهولم

25 ديسمبر 2020
+ الخط -

قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إنّ الانهيار السياسي والاقتصادي في لبنان يشبه غرق السفينة تايتنيك، ولكن من دون موسيقى. وأضاف، في مقابلة نشرتها صحيفة لوفيغارو يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، إنّ "لبنان هو تايتنيك من دون أوركسترا.. اللبنانيون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى الموسيقى". وقابل الموقف المتشائم للوزير لودريان موقف لبناني صدر عن رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، إنّ "الوضع ليس مريحًا على الإطلاق، فقد دخلنا في النفق ولا أعرف كيف سنخرج منه، لقد أصبحنا في حالة يرثى لها"، فحسب رأيه، إنّ الوضع الذي وصلنا إليه يوجب الإسراع في تشكيل الحكومة، وهنا المعضلة.

هل فعلًا بات الداخل اللبناني، "الضحية"، جاهزًا للتخلّي عن الكيديات والمناكفات السياسية، ليذهب إلى تشكيل حكومةٍ تنقذ لبنان من التدهور الاقتصادي الذي وصل إليه؟ ماذا عن موضوع التدقيق الجنائي الذي يتّهم معرقلي تشكيل الحكومة بالفساد وهدر المال العام؟ وكيف سيُميّع، وما هي الضمانات لتطييره كي يوافق المعرقلون على إعطاء الرئيس المكلّف، سعد الحريري، فرصة تشكيل حكومة تنسجم مع طروحات فريق رئيس الجمهورية؟

هل فعلًا بات الداخل اللبناني، "الضحية"، جاهزًا للتخلّي عن الكيديات والمناكفات السياسية، ليذهب إلى تشكيل حكومةٍ تنقذ لبنان من التدهور الاقتصادي الذي وصل إليه؟

وفي ما خصّ الخارج، "الجلاد"، فالأميركي والإيراني، كلاهما يستبيحان الساحة اللبنانية، ويضعان تشكيل الحكومة رهن مصالحهما، إضافة إلى عرقلتهما الدور الفرنسي ومبادرته الإنقاذية للبنان. فهل استجاب حزب الله للقرار الأميركي الداعي إلى تسليم صواريخه الدقيقة، وإعادة تموضع محازبيه في الساحة اللبنانية؟ فالجميع بات يعلم أنّ العقوبات الاقتصادية الأميركية - العربية هي بسبب تدخلات الحزب في الساحة الإقليمية، وامتلاكه الصواريخ الذكية المهدّدة أمن إسرائيل. إضافة إلى أنّ التدخلات الإيرانية عبر حزب الله في لبنان، تضع البلد أسير مراهنات الملف النووي الإيراني - الغربي، وتُدخل البلاد في لعبة المحاور، ما يزيد من جلد لبنان وعزله دوليًا. 

بالعودة إلى متلازمة استوكهولم، هي مصطلح أطلقه الطبيب النفسي نيلز بيجيروت، مع انتهاء حصار استمرّ ستة أيام على أحد البنوك في استوكهولم عام 1973، واللافت أنه بعد مُضي الأيام الستة وانتهاء الاحتجاز، بدا على المخطوفين أنهم قد بنوا علاقة إيجابية مع الخاطفين. ويطبّق على لبنان مضمون هذه المتلازمة؛ ففي حين يجب على اللبنانيين الوقوف صفًا واحدًا لمواجهة جلاديهم، نراهم يتعاطفون معهم، ويساعدونهم في تسريع الانهيار، عبر الانقسام الداخلي المرتبط بالمحورين الغربي أو الإيراني ومن خلفه.

يدخل سعد الحريري من بوابة تأجيج الصراع بين الرئاستين، الأولى والثالثة، فهو الذي صرّح، أكثر من مرة، عن عدم رغبته في التنحّي عن التكليف، مهما طالت الفترة. وقد تمتدّ هذه الفترة سنتين، أي المدّة المتبقية لنهاية العهد. والمطلوب في هذه المرحلة تشتيت قدرات الرئاسة الأولى على تحقيق الإنجازات. وليس الحريري وحده في المعركة الداخلية ضدّ العهد، فهناك النواب ال 65 الذين كلّفوه وما يمثلونه من تكتلاتٍ حزبيةٍ ليست على ما يرام مع العهد، بالإضافة إلى أحزاب أخرى، في مقدمتها القوات اللبنانية، التي تنتظر سقوطه، كي تحتل الساحة المسيحية منفردة. 

يقع لبنان على طريق تقاطع المصالح، بين الجلاد والضحية، على طريقة متلازمة استوكهولم. لذا بات المطلوب إنتاج الفوضى لإعادة بنائه

تنقل أوساط مقرّبة من الرئيس، نبيه بري، توجّهه إلى خوض مواجهةٍ شاملةٍ في كل الساحات والميادين، ضدّ سياسة العهد العوني التي تسعى إلى زجّه في قفص الاتهام القضائي. كما أنّ النائب السابق، وليد جنبلاط، لا يتوانى عن إعلان عدائيته للعهد، خصوصًا بعد قانون الانتخابات 2018 الذي قلّص كتلته النيابية، فضلًا عن مواضيع كثيرة شائكة بينهما، الأمر الذي جعل من جنبلاط رأس حربة في المطالبة بتنحي رئيس الجمهورية عن كرسي الرئاسة. 

وأمام تعاطف الداخل المعارض للعهد مع الخارج المعاقِب، تلعب فرنسا دور المنقذ للبنان، إذ دفع الوضعان، الاقتصادي والاجتماعي، اللبنانيَين، الفرنسيين إلى عقد مؤتمرين دوليين ذوي طابع إنساني لمساعدة لبنان. وهذه المساعدات هي أكثر من ضرورة، حتى لا يسقط الشعب اللبناني والكيان اللبناني بالمحظور. 

كي لا يقع لبنان في المحور الإيراني، يعمل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مدعومًا من الإتحاد الأوروبي، على قاعدة "خطة ماريشال" الأميركية عام 1945، بمبادرة إنقاذية جديّة، تكون بمثابة الفرصة الأخيرة للبنان قبل السقوط، لإخراجه من النفق المظلم. لكنّ إنجاحها يتطلّب تعاون الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، خصوصًا بعد فشل ثورة 17 تشرين في إزاحة هذه الطبقة تحت شعار إسقاطها "كلّن يعني كلّن".

يتطلب إنجاح المبادرة الفرنسية تعاون الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، خصوصاً بعد فشل ثورة 17 تشرين في إزاحة هذه الطبقة

أخيرًا، يقع لبنان على طريق تقاطع المصالح، بين الجلاد والضحية، على طريقة متلازمة استوكهولم. لذا بات المطلوب إنتاج الفوضى لإعادة بنائه. هذا في حال اعتبرنا أنّ المبادرة الفرنسية - الأوروبية قد تلقى داخليًا آذانًا صاغيةً تنقذها من الجلاد الأميركي، والإيراني المتربص. مع علمنا المسبق بصعوبة نجاح تلك المبادرة، يبقى على الداخل اللبناني فرض التسويات الداخلية على قاعدة "عفا الله عمّا مضى"، لبناء عقد اجتماعي جديد. يقوم هذا العقد على قاعدة تنازل العهد عن موضوع التدقيق الجنائي، يقابله تسهيل فريق سعد الحريري، والذين حوله، في تشكيل حكومة تتبنّى مبادرة الرئيس الفرنسي. 

أمام هذا العقد الاجتماعي المطروح، تبقى العقدة الرئيسية في الملف اللبناني، حزب الله وتسليم صواريخه الدقيقة، ودخوله الحكومة. في المقابل ماذا سيكون الموقف الأميركي، سيما أنّ إدارة الرئيس بايدن قد تكون متشدّدة في موقفها من الحزب، على غرار الإدارات السابقة؟

B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
جيرار ديب
كاتب وأستاذ جامعي لبناني
جيرار ديب