فلسطينيو 1948 في مواجهة الشد العكسي

فلسطينيو 1948 في مواجهة الشد العكسي

16 يناير 2021

(نبيل عناني)

+ الخط -

تسود المجتمع العربي الفلسطيني في أراضي العام 1948 حالة من التململ والبلبلة مع اقتراب إجراء انتخابات رابعة في غضون17 شهرا، في الدولة العبرية التي يحمل المواطنون العرب هناك جنسيتها. وتجد هذه المشاعر السلبية تفسيرا لها في ما بدا أنه تضعضع في رباعية الأحزاب التي تحمل اسم القائمة المشتركة، والتي سبق أن صعدت بالتمثيل العربي في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي إلى مرتبة القوة البرلمانية الثانية. وعلى الرغم من أن القائمة الرباعية ما زالت تحتفظ بوجودها رسميا، إلا أن أحد مكوناتها، وهو الحركة الإسلامية الجنوبية، بدا أنه يغرّد خارج السرب، إذ أخذ ممثل الحركة، منصور عباس، يقترب من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، لدى التصويت لمصلحته ضد حل الكنيست، وزاد على ذلك بإطلاق تصريحاتٍ إنه مستعد للمشاركة في حكومة يمينية برئاسة الليكود "إذا ضمن حقوق العرب"، والحقوق المقصودة ذات طابع معيشي وخدمي.

وإذ منحت الاستطلاعات القائمة المشتركة 11مقعدا في الانتخابات المقرّرة في 23 مارس/ آذار المقبل، فقد بدت هذه التوقعات كأنها تعكس خيبة كبيرة في صفوف المواطنين العرب، وذلك مع استذكار تجربة سابقة في انشقاق القائمة المشتركة، قادها أحمد الطيبي، ما أدّى إلى خسارة القائمة بضعة مقاعد في انتخابات إبريل/ نيسان 2019. وتجري حاليا جهود ومساع للحفاظ على القائمة، وهو ما يبدو متعسّرا، ولسببين متناقضين، أولهما التباعد الأيديولوجي بين الحركة الإسلامية الجنوبية وباقي المكونات ذات النزعة القومية والعلمانية. وثانيهما ما يبدو من براغماتية مفرطة لدى هذه الحركة في تعاملها مع المستوى السياسي الإسرائيلي، والعزوف عن التنسيق مع باقي أطراف القائمة. وفي هذا الصدد، يقول منصور عباس، وهو نائب لرئيس الكنيست، إن استمرار "القائمة المشتركة" مشروطٌ باتباع النهج الذي يمثله "وإلا فإن القائمة تفقد مبرّرات وجودها".. ونهجه يقوم، كما يقول، على "التعامل مع الواقع بواقعية"، والمشاركة في الحكم وعدم الزهد فيه أو الترفع عنه..

تضعضع في رباعية الأحزاب التي تحمل اسم القائمة المشتركة، والتي سبق أن صعدت بالتمثيل العربي في الكنيست إلى مرتبة القوة البرلمانية الثانية

ويؤخذ في الاعتبار، إلى جانب ما تقدّم، ما تركته موجة التطبيع العربية مع دولة الاحتلال من صدمةٍ قوية لدى الجمهور، وهو ما استغله رئيس الحكومة وزعيم تكتل الليكود، بنيامين نتنياهو، في الطواف على مدن عربية، تحت غطاء تشجيع الجمهور على تلقي اللقاح ضد وباء كورونا، حيث يستغل هذه الزيارات لترويج أن إسرائيل باتت مقبولة عربيا كما هي عليه، والسعي إلى كسب أصوات من المجتمع العربي الذي يملك "إمكانات انتخابية هائلة"، كما قال لدى زيارته الناصرة الأربعاء الماضي. ولوحظ أن رئيس بلدية الناصرة، علي سلام، رحب به، فيما سرت أنباء عن أن سلام سوف ينضم إلى قائمة الليكود، وبينما بدا هذا النبأ غير مؤكّد وغير مستبعد، فقد بدا مؤكّدا ضم مدير مدرسة عربي، عُرف بدعمه "الليكود" إلى هذا التكتل في الانتخابات المقبلة. على أن زيارة نتنياهو الناصرة لم تتم في أجواء هادئة وصافية وودية، إذ شاركت أحزاب القائمة المشتركة في تنظيم تظاهرةٍ رفعت فيها أعلام فلسطينية وشعارات ضد نتنياهو "عد إلى بيتك"، وشارك فيها نشطاء يهود ممن يواظبون على الاحتجاج على نتنياهو على خلفية اتهامات بالفساد تلاحق الرجل. وقد تم التنكيل بالمتظاهرين بوحشية ومنع العلاج عن المصابين، وجرى اعتقال 19 منهم وأفرج عن ستة بعد ساعات من الاعتقال. وباستثناء ترحيب رئيس البلدية وتشهيره بالقائمة المشتركة، لم يلق نتنياهو قبولاً من أبناء المدينة وقواها الاجتماعية والسياسية، بل أثبتت التظاهرة الاحتجاجية أن القائمة المشتركة ما زالت رأس حربةٍ سياسيةٍ في مواجهة حكومة الاحتلال، وقد شاركت فيها الحركة الإسلامية، ولكن على مستوى غير قيادي. وكان التعامل مع هذا الحدث أفضل تعبير عن استمرار دينامية الكتلة الرباعية المشتركة.

وقبل ذلك بأيام، كانت أحزاب القائمة المشتركة، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير، قد اتخذت مواقف حازمة في التضامن مع الفنان محمد بكري في مناسبةٍ سياسيةٍ ووطنيةٍ بامتياز، وذلك في أعقاب إصدار محكمة اللد الإسرائيلية حكما بتغريم الفنان 80 ألف دولار وكُلفة إجراء المحاكمة، على خلفية دعوى رفعها ضده ضابط إسرائيلي، اتهمه بالإساءة إليه والتشهير به في فيلم "جنين جنين" الذي أنتج في العام 2002، ويوثق استباحة مخيم جنين، وتنكيل قوات الاحتلال بسكانه. وقد قضى قرار المحكمة بإتلاف نسخ الفيلم، والعمل على حذفه من محرّك يوتيوب ومن الشبكة العنكبوتية عموما. وقد أظهر التضامن الواسع والحار مع بكري حالةً متقدّمةً من الوعي بالكيانية الوطنية، والحق في الإبداع لتعزيز الوجود الوطني.

ثمّة ما يشبه الفراغ في القائمة المشتركة على المستوى القيادي، وفي تظهير رموز وطنية ملهمة وجاذبة للجمهور

ومع ما تثيره هذه المواقف من مشاعر الفخر والكرامة الوطنية، إلا أن رموزا اجتماعية وسياسية محلية تواظب على اللعب على وتر الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية (الحد من الجريمة) للجمهور العربي. وقد انضم منصور عباس إلى هؤلاء، واصفا زملاءه في القائمة المشتركة بأنهم يضعون أنفسهم في جيب اليسار، وأنهم يكتفون بالخطابات النارية وتسجيل المواقف. علما أن التمييز والمظالم الاجتماعية تستند إلى نهجٍ عنصري تنتهجه الدولة. ومع الأخذ بقانون القومية (يهودية الدولة)، فإن وتيرة التمييز ضد الجمهور العربي الفلسطيني سوف تزداد وتشتد (يزيد عدد المواطنين العرب عن مليون و900 ألف نسمة)، وأنه لا يمكن الفصل بين المطالب الاجتماعية والحياتية والمطالب القومية بالاعتراف بوجود العرب على أرضهم الوطنية أقلية قومية.

وفي هذه الأثناء، ومع الحرص على جماعية القيادة في تركيبة القائمة المشتركة، إلا أنها تبدو في أنظار الجمهور بغير قيادة.. إذ ثمّة ما يشبه الفراغ على المستوى القيادي، وفي تظهير رموز وطنية ملهمة وجاذبة للجمهور العريض الذي يشمل الأحزاب، ويتجاوزها إلى عامة الناس. وإذ يبدو خيار مغادرة الحركة الإسلامية للقائمة قائما ومتوقعا، فإن الرد الأفضل على ذلك لن يكون بفرط القائمة، بل بتقوية الروابط بين المكونات الثلاثة الباقية وسائر مكونات المجتمع المدني والمحلي، لعبور الاستحقاق الانتخابي بأفضل نتائج ممكنة، مع الحفاظ على الموقف السياسي الذي يعارض بصورة كلية المنحى العام الذي يزداد تطرّفا وعنصرية.