عن حتمية المواجهة الشيعية في العراق

عن حتمية المواجهة الشيعية في العراق

23 نوفمبر 2021
+ الخط -

ربما لم تخسر إيران في العراق بقدر خسارتها جنرال التسويات، قاسم سليماني، الذي قضى في غارة أميركية مطلع العام 2020 قرب مطار بغداد، ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، أبو مهدي المهندس، خسارة لا يبدو أن إيران قادرة على تعويضها، ليس لكونه جنرالا له باع طويل في إدارة معارك إيران الخارجية وحسب، ولكن لكونه الجنرال الأقدر على فهم تركيبة الساحة السياسية في العراق، والتي أسهم هو شخصيا في تشكيل أطرها عقب الغزو الأميركي في 2003.
ترك سليماني الغائب فراغا لم يتمكّن خلفه إسماعيل قآاني من سده. يبرز دوره المفقود مع كل أزمة سياسية تعصف بالساحة العراقية، ولعل أكثر تلك الأزمات التي أظهرت حجم الفراغ الذي تركه هي ما بعد انتخابات العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والتي لم تعلن نتائجها النهائية حتى الساعة، على الرغم من مضي قرابة الشهر والنصف الشهر على إجرائها.
دخلت الفصائل الشيعية، السياسية والمسلحة منها، في أتون صراعاتٍ تقترب يوما بعد آخر من صراعات المواجهة المسلحة. صحيحٌ أنها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا الاحتكاك الشيعي الشيعي، ولكنها ربما المرة الأولى التي يبدو فيها الحل مستعصيا، وهنا يتضح جليا ما خلّفه سليماني من فراغ.

بعض من الفصائل الشيعية المسلحة لم تعد مقتنعةً بالدور الذي تلعبه إيران عليها، حيث برز معها خطابٌ تصعيديٌّ منها ضد إيران

يوم أن نشبت مواجهاتٌ مسلحة بين القوات الحكومية وجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر إبّان فترة رئاسة نوري المالكي الأولى في العام 2008 فيما عُرف حينها بوصلة الفرسان، كان لسيلماني القول الفصل في التهدئة. ويوم أن كادت القوى الشيعية تتصارع على من يخلف المالكي عقب انتخابات 2014، كان لتدخّل جنرال التسويات الكلمة العليا في حل تلك الإشكالات، وقس على ذلك.
اليوم، ومع اعتراض قوى شيعية فاعلة على نتائج الانتخابات الأولية المعلنة، ومع تمسّك مقتدى الصدر، الذي فازت قائمته بالمركز الأول، بمبدأ تشكيل حكومة أغلبية سياسية، تبدو تلك القوى التي تملك من السلاح ما تنوء بحمله مخازنها، أقرب إلى مواجهةٍ ظلت طي التأجيل سنوات، بسبب حنكة جنرال التسويات الذي كانت له كلمة على جميع تلك الفصائل.
في عملية استهداف رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، بطائرة مسيّرة قبل نحو أسبوعين، ظهر جليا أن بعضا من الفصائل الشيعية المسلحة لم تعد مقتنعةً بالدور الذي تلعبه إيران عليها، حيث برز معها خطابٌ تصعيديٌّ منها ضد إيران، وهي فصائل يُعتقد أنها من تقف وراء استهداف الكاظمي، إلى درجة أن أحد مسؤوليها يطالب السفير الإيراني في بغداد، إيرج مسجدي، بأن يتذكر أنه سفير وليس ساعي بريد، في إشارة إلى الرسالة الإيرانية التي وصلت إلى الفصائل الشيعية بضرورة السماح لمقتدى الصدر بتشكيل الحكومة والتفاهم معه على بعض المناصب. في نبرةٍ ما كان لها أن تظهر لولا شعور تلك القوى بأن إيران قاآني تختلف عن إيران سليماني، أو إن شئت الدقة إن قاآني ليس سليماني، ولا يمتلك ما كان لدى سلفه من مقوّمات، كثيرا ما أسعفته في تهدئة النفوس وتطيب الخواطر وفتح باب التسويات على مصراعيه من أجل استمرار بقاء النفوذ الإيراني في العراق من خلال تلك القوى السياسية والمسلحة.

مليشيات بدأت بالتململ من التدخل الإيراني الذي يصبّ دوما في مصالح طهران، من دون النظر إلى مصالح تلك المليشيات ونفوذها الآخذ بالتآكل

نعم، قد لا تكون إيران فقدت كامل سيطرتها على المليشيات المسلحة التي تدين لها بالولاء، ولكن المؤكد أيضا أن هذه المليشيات بدأت بالتململ من التدخل الإيراني الذي يصبّ دوما في مصالح طهران، من دون النظر إلى مصالح تلك المليشيات ونفوذها الآخذ بالتآكل، حتى جاءت الانتخابات لتهدم جزءا كبيرا من جرفها عبر صناديق الاقتراع التي ما زالت تلك المليشيات والقوى السياسية الخاسرة تصر على عدم قبولها، وأنها كانت انتخابات مزورة.
تبدو القوى السنية والكردية، هذه المرّة، غير متعجلة لمن ستؤول إليه كفّة الصراع الشيعي الشيعي، الذي ما زال في نطاق المناوشات الكلامية مع قرقعة سلاح خفيف، فهذه القوى تدرك حجم الصراعات داخل الساحة السياسية الشيعية، وبالتالي تنتظر كيف ستُحسم قبل أن تدخل في أي مفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة.
المواجهة المسلحة بين القوى الشيعية أمر وارد وغير مستبعد، خصوصا مع ما أفرزته هذه الانتخابات من غياب للإرادة المتحكّمة بهذا الصراع والمتمثلة بإيران، ناهيك عن أن لدى هذه القوى سلاحا ونفوذا سياسيا وعسكريا واقتصاديا يمكّنها من خوض أي مواجهة، حتى لو كانت ضد القوات الأمنية الحكومية، ما يعني دخول العراق في محرقة صراع الأضداد الذي يبدو أن قوىً خارجية تحرّكه بطريقة ما، اعتقادا منها أن ذلك قد يصبّ في مصلحتها.
قد تعبر سحابة الانتخابات من دون سقوط دماء، ولكن بالتأكيد ستجر خلفها سحابة أثقل، وسيكون مرورها أبطأ، وقد تحيل ما تبقى من نهار أرض الرافدين إلى ظُلمة حالكة، الله أعلم كم ستطول هذه المرّة.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...