تركيا والنظام السوري ولقاء المصالح

تركيا والنظام السوري ولقاء المصالح

06 يناير 2023

سوريون يتظاهرون في إدلب ضد التقارب التركي مع النظام السوري (30/12/2022/فرانس برس)

+ الخط -

باتت عودة العلاقات بين النظام السوري وتركيا محسومة، بعد اللقاء الذي انعقد في موسكو يوم الثامن والعشرين من الشهر الماضي (ديسمبر/ كانون الأول)، بين وزراء الدفاع ومسؤولي أجهزة الاستخبارات في كل من تركيا وسورية وروسيا. وكشفت أنقرة أن الاجتماع يندرج في سياق آلية تقدّمت بها إلى موسكو تقوم على لقاء وزراء الدفاع والمسؤولين والأمنيين أولا، وبعدها وزراء الخارجية، وفي الختام اجتماع على مستوى الرؤساء. وباعتبار أن المرحلة الأولى مرّت بنجاح حسب بيانات رسمية، صدرت من الطرفين المعنيين مباشرة، تركيا والنظام السوري، فإن الخطوتين الباقيتين باتتا قريبتين جدا زمنيا، وتحتّمهما عدة اعتبارات تحكم حساباتهما وحاجاتهما. ولن يطول الوقت حتى تتوّج العملية، التي بدأت على المستوى الأمني بين أنقرة ودمشق منذ بداية العام الماضي، باجتماع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد.

ومن متابعة المحطّات السابقة، يمكن ملاحظة أمرين أساسيين. الأول أن اللقاء بين النظام السوري وتركيا جاء بمبادرة من روسيا، التي تعمل على إعادة تأهيل النظام، وفشلت في ذلك، وهي تراهن على أن تطبيع العلاقات بين أردوغان والأسد يفيد الأخير إقليميا ودوليا وعلى المستوى الاقتصادي. والثاني أن تركيا سعت إلى هذا اللقاء في إطار الاستراتيجية التي بدأتها في تطبيع علاقاتها مع السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل. ومن الأسباب التي دفعتها إلى ذلك أنها سوف تشهد في الصيف المقبل انتخاباتٍ تشريعية ورئاسية. ويعمل حزب العدالة والتنمية (الحاكم) على تسوية كل الملفات التي يمكن للمعارضة التركية أن تستغلها، ومنها مسألة اللاجئين السوريين في تركيا، والذين يتجاوز عددهم ثلاثة ملايين. ويراهن الحزب على أن الاتفاق مع النظام على حل لهذه القضية يسحب من يد المعارضة ورقةً مهمة، كما أنه يعرقل التقارب بين نظام الأسد والمعارضة التركية التي قطعت شوطا مهما على هذا الطريق منذ أعوام، واستثمرت في هذا المسعى سياسيا وإعلاميا، وكانت تطمح إلى جني الثمار انتخابيا.

لا يعني حصول اللقاء فتح الباب لتطبيع العلاقات بسهولة، فهناك عقباتٌ عديدة، منها شروط النظام بانسحاب تركيا من الأراضي السورية التي توجد فيها، كما أن هناك أطرافا إقليمية ودولية لن ترتاح للتقارب. وهنا، يمكن التوقف أمام الموقفين، الإيراني والأميركي. وقد كان لافتا غياب طهران عن لقاء موسكو الثلاثي، رغم أنها طرفٌ أساسيٌّ في عملية أستانا التي هندست الوضع السوري منذ حوالي خمسة أعوام بين كل من روسيا وتركيا وإيران. ولا يبدو أن الأمر سيمرّ ببساطة بالنسبة لطهران التي تعتبر نفسها شريكا أساسيا مع روسيا، في ما يخصّ مستقبل النظام السوري، وتطبيع العلاقات بينه وبين تركيا، خصوصا وأن هناك ملفات مطروحة تهمها مباشرة، مثل الإرهاب وعودة اللاجئين، التي تعدّ قضية معقدة جدا بالنسبة لتركيا والنظام السوري، الذي يرفض تقديم ضماناتٍ لعودة طوعية آمنة، بالإضافة إلى رفض الأغلبية العودة قبل توفير الظروف المناسبة.

أما ما يخصّ واشنطن فهو انعكاس التقارب التركي مع النظام على حليفها الكردي "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي ستكون متضرّرا في حال شمل التفاهم بين أنقرة ودمشق مراجعة لاتفاق أضنة، الذي تطمح تركيا إلى تعديله ليشمل إقامة حزام أمني على الحدود السورية بعمق 30 كلم. وهذا أمرٌ تعارضه الولايات المتحدة التي تحتفظ بقوات عسكرية في المنطقة، ولا يبدو واردا انسحابها بناءً على مطالبة النظام السوري. وفي وسع واشنطن تخريب أي اتفاق، فهي تمتلك الأدوات اللازمة لذلك من جهة. ومن جهة أخرى، في وسعها تحريك عدة ملفات مهمة، بما فيها مسألة عزل الأسد.

 

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد