Skip to main content
سورية... عامٌ آخر من الفشل
بشير البكر
حشد من السوريين في إدلب يهتف ضد الأسد وللثورة في ذكراها الثالثة عشرة (15/3/2024/الأناضول)

لا أحد يريد أن يحصد الخيبة، ويعترف بأن الثورة السورية، مثل شقيقاتها في تونس ومصر وليبيا واليمن، انتهت إلى فشل ذريع، وبدلاً من أن تغير أحوال الناس نحو الأفضل زادتها سوءاً بدرجاتٍ كبيرة. ومن جردة حسابٍ سريعة، يتبيّن أن هذه البلدان خسرت في السياسة والاقتصاد والثقافة، وحتى في الرياضة. وانتقل بعضُها من حكم ديكتاتور واحد، ليقع تحت نفوذ عدّة ديكتاتوريين، مثلما هو الأمر في سورية، التي يتقاسمها النظام القديم، وسلطات الأمر الواقع، وأمراء الحرب. وبسبب ما انتهت إليه الثورة، يتحسّر سوريون كثيرون على ما عاشوه في الماضي، الذي سبق النزول إلى الشارع من أجل تغيير الأوضاع، وهذا ينطبق على ملايين كانت لديهم بيوتهم ومدارسهم ووظائفهم، ثم أصبحوا مشرّدين، يكافحون من أجل تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة، والقسم الكبير منهم في دول الجوار يواجه محنة تدبير رزقه يوماً بيوم، يحلم في أن يعود إلى بيته من دون أن يتعرّض للاعتقال أو الابتزاز. وبين الحلم والواقع مسافة كبيرة، تزداد مع مرور الوقت، وبات السوري اللاجئ معلّقاً في ظروفٍ مأساويةٍ من دون أفقٍ واضح، وهذا يشمل أكثر من ثلاثة ملايين يوجدون في لبنان وتركيا، يواجهون، فوق المصاعب الاقتصادية، عنصرية متنامية، واستغلالاً سياسياً واقتصادياً.

لا ذنب للناس في ما آلت إليه أحوالهم، وما كان لهم أن يخرجوا ضد الحاكم، لو أن حياتهم لم تكن بالغة الرداءة، غير أنه لم يخطر في حساب أحد أن هناك أسوأ مما كانت عليه الحياة قبل الثورة. ثاروا وهم لا يعرفون أن الحاكم سيغلق أفق التغيير بالدم، ولن يتنازل الأسد حتى لو دمّر البلد، وفعل ذلك، ولا يزال يجلس فوق الخراب غير مكترثٍ بالنتائج، يعيش حالة انفصال عن الواقع، لا تضاهيها ما تحفل به مسرحيات العبث من فانتازيا مرضية لا دواء لها. وما لا شك فيه أن الكارثة التي انتهت إليها الثورة السورية يتحمّل مسؤوليتها النظام والدول والتنظيمات التي ساندته إيران، روسيا، وحزب الله والمليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية، ولكن هذا لا يُسقط المسؤولية عن أطرافٍ شاركت بالثورة، ووقفت في الخندق الآخر، من سوريين وغير سوريين، وهذا ينطبق على قوى وشخصياتٍ من المعارضة، تاجر بعضُها بالثورة، ودول في مقدّمتها الولايات المتحدة، التي أوهمت السوريين أنها تؤيد الثورة، ثم تخلّت عنهم بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة، في اغسطس/ آب 2013، وتركتهم بلا غطاء سياسي أو عسكري في مواجهة حرب الإبادة والتهجير.

الأمر الأسوأ في ذكرى الثورة من كل عام، والذي يصادف هذه الأيام، أنها تمرّ من دون أي مراجعة، من أطراف سياسية، لعبت دورا أساسيا في توجيهها في بداياتها، وهي تتحمّل قسطاً من المسؤولية عن مآلاتها. يتصرّف هؤلاء على طريقة دفن الرؤوس في الرمال، ولا يزال بعضهم يعتاش على ما بقي من رمزية للثورة. وما يمنعهم من المراجعة هو الاستفادة من استمرار الفشل، وهم بذلك يراكمون الأخطاء فوق بعضها، فيزيدون من الوضع رداءة وتعفّنا، وفي كل يوم يزيدون من صعوبة كل محاولة من أجل تدارك الكارثة الكبرى، وهي أن تصبح استعادة وحدة سورية أمراً من المُحال. وطالما أن السوريين لا يتحرّكون من أجل إسقاط المعادلة الموجودة، فلن يهبّ أحد لمساعدتهم. وما هو واضحٌ في الأفق أن الوضع مرشّحٌ لأن يزداد تدهوراً، طالما أن الأطراف التي تتحكّم بمصير البلد، لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية، ولا بوضع حدّ لمعاناة السوريين، وهي لا توفر جهدا لجرّ البلد نحو الوراء، والمتاجرة به وبشقاء أهله.