ماذا بعد قرار مجلس الأمن؟

ماذا بعد قرار مجلس الأمن؟

30 مارس 2024
+ الخط -

لا مظاهرات، لا تعاطف، لا بيانات تأييد. تبدو حرب إسرائيل على غزّة مرفوضة جدّا، ومعزولة عن العالم. باختصار شديد، لا أحد يقف معها علانية سوى الولايات المتحدة. وفي هذا الوقت، يبدو التأييد لفلسطين بلا حدود، لا تكاد مظاهرات التضامن تتوقّف، بل تزداد زخماً، وتتعدّد أساليب الاستنكار للحرب من يوم إلى آخر، لا يتعب الناس، عبر العالم، من الاحتجاج على استمرارها، بل تحوّل الأمر إلى طقس أسبوعي، وبات كل يوم سبت مخصّصا للتنديد بها، وممارسة كل أشكال الضغط المتاحة على الحكومات من أجل التحرّك لوقفها والكفّ عن دعم إسرائيل، التي رفضت كل محاولات التهدئة، وأفشلت مباحثات الهدنات والجولات المكوكية للدبلوماسيين الأجانب إلى المنطقة، وكلما لاحت في الأفق بادرة أمل، ينسفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بصدور قرار مجلس الأمن، يوم الاثنين الماضي، يمكن القول إن الجهود التي ناهضت الحرب أعطت أولى ثمارها، ونجحت بإصدار أول دعوةٍ دولية تطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، على أن تؤدّي إلى وقف دائم لإطلاق النار. ورغم عدم التزام إسرائيل به، إلا أن قرار مجلس الأمن يسجّل أول هدف دولي في المرمى الإسرائيلي، وزاد من وقع ذلك امتناع واشنطن عن التصويت، وعدم استخدامها "الفيتو"، وهو ما يعدّ تراجعا أميركيا صريحا أمام العالم، وأول خطوة افتراقٍ ذات وزن بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي بخصوص الحرب، ولم يأت ذلك عن طيب خاطر، بل بقوة الضغط، وبفضل التضحيات الكبيرة التي قدّمها الشعب الفلسطيني. ومهما يكن من أمر، يعد هذا التطوّر نقلة نوعية يمكن البناء عليها، لأن الرئيس الأميركي جو بايدن تجاوز حالة التململ، ومعاقبة رئيس الوزراء الإسرائيلي هاتفيا، إلى اتخاذ خطوة وازنة، وهذا لا يعني، في كل الأحوال، أن الموقف ما بين الحليفين يتّجه إلى مستوى الأزمة. وكما هو معروف منذ بداية الحرب، هناك تبدّل في اللهجة الأميركية، وليس في الجوهر، لكن الأمر اختلف هذه المرّة، والدليل أن حلفاء واشنطن صوّتوا لصالح القرار، ومنهم بريطانيا، ما يفتح الباب أمام مواقف أخرى على طريق وقف الحرب.
لا يوحي ردّ فعل إسرائيل على قرار مجلس الأمن بأنها ستتوقف عند حد وتمتثل فورا للضغط الدولي وتبدأ مباشرة العد العكسي لوقف حرب الإبادة، لكن، مهما كابرت، سوف يصبح من الصعب عليها الانتقال بالحرب إلى مرحلة جديدة تتغيّر فيها الأهداف والأدوات والميدان، وهذا ما ذهبت إليه زيارة وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت إلى واشنطن، الأحد الماضي، وطلبه تقديم أسلحة نوعية من أجل عملية رفح ورفع مستوى المواجهات على الجبهة الشمالية. وستفكّر إسرائيل كثيرا قبل أن تتجاوز ما يبدو خطوطاً حمراء، ومن ذلك مسألة التهجير، التي لم تعد مستبعدة أو بعيدة، وما الإصرار من نتنياهو على تعميق الإبادة، من خلال التفنن باستهداف المدنيين، واقتحام مشفى الشفاء من جديد، وقتل المرضى والطواقم الطبّية، إلا من أجل تحقيق هذا الهدف، لأن الحرب تجاوزت مزاعم الدفاع عن النفس، واستنفدت شهوات الانتقام والثأر، فغزّة باتت مدمّرة كليا. وكل ما تقوم به إسرائيل هو جعل التهجير الخيار الوحيد الممكن أمام أهل غزّة، بعد أن أصبحوا يعيشون في العراء، بلا بيوت وطعام وخدمات عادية. وصار واضحاً أن عملية رفح ليست سوى الاسم السرّي لعملية التهجير، ولذلك يستنجد نتنياهو بالولايات المتحدة كي تشارك فيها، لأن إسرائيل لا تستطيع القيام بها وحدها، من الناحيتين السياسية والفنية، وتنتظر من واشنطن ممارسة ضغطها لتسهيل استقبال الفلسطينيين، الذين سيتم ترحيلهم من قطاع غزّة، وخصوصاً إلى العالم العربي.