تحدّيات أزمة اللاجئين السوريين في تركيا

تحدّيات أزمة اللاجئين السوريين في تركيا

24 مارس 2022

طفل سوري يرسم في ملجأ للأيتام في الريحانية في تركيا (26/1/2017/الأناضول)

+ الخط -

منذ أكثر من 11 عاما ومشكلة اللاجئين السوريين، في تركيا خصوصا والعالم عموما، "بلا حل"، لتنتج معها مزيدا من حكايات المعاناة والألم والتشرّد، وفي الوقت نفسه، تحمل الدول المضيفة عبئا كبيرا سواء من الناحية المجتمعية أو من الناحية المادية التي تثقل كاهلها وسط الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يمر بها عالمنا اليوم.

ولعل تركيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين (نحو أربعة ملايين)، هي أكثر الدول المعنية في هذا الإطار، إذ بالإضافة إلى أنها من الدول المضيفة والمانحة في الوقت نفسه، فإن تأمين الخدمات المعيشية اليومية: المأوى، الصحة، الغذاء، التعليم، العمل، يشكل عبئا ماليا كبيرا، اضطرّت تركيا لتحمل القسم الأكبر منه بمفردها، مقارنة بغيرها من دول الجوار، كالأردن ولبنان، وحتى دول الاتحاد الأوروبي التي سمحت للاجئين بالإقامة على أراضيها.

طبقت تركيا سياسة الباب المفتوح، وحرصت على توفير ظروفٍ إنسانية لإقامة اللاجئين على أراضيها

ووفقا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تركيا، أجبرت الحرب في سورية نحو ستة ملايين و600 ألف شخص على مغادرة البلاد، لجأ منهم نحو ثلاثة ملايين و700 ألف إلى تركيا، الأمر الذي جعلها أكبر دولة مستضيفة للاجئين. وعلى الرغم من كل هذه المسؤوليات، وتأكيد تركيا أن حجم الأموال التي أنفقتها على استضافة اللاجئين تجاوزت 40 مليار دولار، إلا أنها تبنّت، وما زالت، في إدارتها ملف اللاجئين، نهجا مختلفا مقارنة مع الدول الأوروبية، فمنذ اندلاع أولى شرارات الحرب في سورية، طبقت تركيا سياسة الباب المفتوح، وحرصت على توفير ظروفٍ إنسانية لإقامة اللاجئين على أراضيها. وأكد المسؤولون الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان، في أكثر من مناسبة، أنهم ينظرون إلى اللاجئ القادم إلى البلاد إنسانا بغض النظر عن أصله، ومعتقده، ولغته، ولونه، وثقافته، كما أولوا اهتماما خاصا لقضية دمج اللاجئين داخل المجتمع التركي.

وفي مقابل هذا النهج الإنساني الذي تبنّته تركيا إزاء اللاجئين، وقعت مأساة إنسانية في الدول الأوروبية، بعدما أغلقت حدودها في وجه اللاجئين، وأعلنت حالة الاستنفار مصنّفة إياهم بـ"الأزمة". وللخروج من هذه الأزمة، أجمع الأوروبيون، ربما لأول مرة في تاريخهم، على قرار واحد لا ثاني له، على الرغم من أنه يتناقض مع مبادئهم الإنسانية، وأيضا مع بنود اتفاقية جنيف لعام 1951 في هذا الشأن، وهو تصدير تركيا في الواجهة منقذا لهم. وكان الحل أن يبقى اللاجئون في دولة آمنةٍ خارج القارّة، أي في تركيا.

استضافة تركيا اللاجئين لم تقتصر على السوريين، بل شملت كل من اضطر لمغادرة بلاده قسرا، سواء بفعل الحرب أو الأوضاع الاقتصادية السيئة

ونصّت الاتفاقية الموقعة بين أوروبا وتركيا بخصوص اللاجئين في عام 2016 على استقبال تركيا المهاجرين الواصلين إلى اليونان، ممن تأكد انطلاقهم من الأراضي التركية، ويجري اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إعادة المهاجرين غير السوريين إلى بلدانهم، في حين يجري إيواء السوريين المعادين في مخيمات داخل تركيا، وإرسال لاجئ سوري مسجل لديها "رسميا" إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل كل سوري معاد إليها. كما نصت الاتفاقية على أن تتخذ تركيا التدابير اللازمة لمنع تدفق اللاجئين غير الشرعيين، حيث بلغ عدد اللاجئين الذين انتقلوا إلى اليونان من تركيا نحو 800 ألف من بين أكثر من مليون شخص وصلوا إلى أوروبا في 2015.

وكحل عقلاني ونهائي لأزمة اللاجئين، اقترح الرئيس أردوغان تأسيس منطقةٍ آمنةٍ في سورية يمكن للاجئين أن يعيشوا فيها مع التأكيد، وفي أكثر من مناسبة، أنه لن يسمح بإثارة خطوط الصدع في تركيا في ما يتعلق بملف اللاجئين.

وقد كشفت المديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية لعام 2022 عن أحدث الإحصائيات بخصوص اللاجئين السوريين، فقالت إن عدد السوريين المقيمين على الأراضي التركية بموجب الحماية المؤقتة بلغ ثلاثة ملايين و741 ألفاً و251 لاجئاً سورياً.

وتصدرت ولاية إسطنبول كأكثر المدن الجنوبية استقطابا للاجئين السوريين بواقع 535 ألف شخص، تلتها ولاية غازي عنتاب بنحو 461 ألف سوري، ثم ولاية هاتاي بنحو 433 ألفا، ثم "شانلي أورفا" بـ428 ألفا. أما الأرقام الأخرى فتوزعت بين ولايات أضنه، حيث يعيش 255 ألف سوري، مرسين 240 ألفا، بورصة 183 ألفا، أزمير نحو 149 ألفا، ونحو مائة ألف في العاصمة "أنقرة". فيما لفت التقرير إلى أن أكثر من 700 ألف طفل سوري وُلدوا في تركيا، بينما وصل عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية حتى نهاية العام الماضي 193 ألفا و293 سورياً.

الكويت ما زالت تتقدّم دول العالم في تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين في تركيا مادياً ومعنوياً

وبحكم وقوعها في منطقة كثيرة الاضطرابات، فإن استضافة تركيا اللاجئين لم تقتصر على السوريين، بل شملت كل من اضطر لمغادرة بلاده قسرا، سواء بفعل الحرب أو الأوضاع الاقتصادية السيئة، وهو ما يزيد من الأعباء والضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليها. ومن جملة اللاجئين يأتي العراقيون في المرتبة الثانية بعد السوريين بعدد يتجاوز 700 ألف شخص، وفقا لأحدث بيانات دائرة الهجرة التركية. وقد بدأت هذه الهجرة أولا عقب الغزو الأميركي العراق، لتشهد في ما بعد تدفقا أكبر بعد سقوط مدن عراقية في يد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014، ومن ثم يأتي الإيرانيون، والأفغان، والفلسطينيون، والأيغور، وجاليات أفريقية أخرى تفيد المعلومات بأنهم دخلوا تركيا في الأساس من أجل العبور إلى أوروبا، لكن كثيرين منهم فشلوا فظلوا مرابطين في تركيا.

وإن كانت تركيا، وفي أكثر من محفل، قد انتقدت دولا كثيرة كانت تقدّم مساعدات للاجئين في بداية الأزمة السورية، بينما بدأت في السنوات الخمس الأخيرة تسحب يدها شيئا فشيئا، فإنها لم تنس دولا أخرى أبت أن تتركها وحدها في معالجة هذه الأزمة، وظلت تساندها، على غرار الكويت، التي ما زالت تتقدّم دول العالم في تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين في تركيا ماديا ومعنويا، من مأوى وغذاء وأدوية.

في النتيجة، يمكن القول إنه على الرغم من استمرار المساعدات الإنسانية العالمية التي تثلج قلوب اللاجئين، تبقى حقيقة أن أزمة السوريين باقية على حالها، بينما يقول معظم الخبراء إن غالبية اللاجئين لن يتمكّنوا من العودة إلى بلادهم، إما لأسباب سياسية أو معيشية؛ ما يعني أن تركيا معرّضة لتغيير ديموغرافي مهم في المرحلة المقبلة.. فمهما جرى النظر إلى الأزمة من جانبها الإنساني، إلا أن التغييرات التي ستحدث في قلب المجتمع التركي ربما ستكون المشهد الأبرز في السنوات المقبلة.

طه أوغلو
طه عودة أوغلو
كاتب ومحلل سياسي تركي