المطلوب من "حماس" مصرياً وصهيونياً

المطلوب من "حماس" مصرياً وصهيونياً

06 ديسمبر 2021
+ الخط -

بعد إعلان وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الصهيوني في مايو/ أيار الماضي، عاد ملف التفاوض بشأن عملية تبادل الأسرى إلى الواجهة، عبر الوساطة المصرية التي كان لها دور بارز في التوصل إلى إتمام صفقة شاليط عام 2011، إذ استبق النظام المصري وساطته، هذه المرّة، بتصريحات وتحرّكات إعلامية برزت خلال عدوان الاحتلال أخيراً على غزة، أو كما يتم تسميته "معركة سيف القدس"، من خلال تبدّل واضح في موقفه الرسمي بين عدواني عامي 2014 و2021، فخلال العدوان الصهيوني عام 2014، حمّل نظام عبد الفتاح السيسي حركة حماس المسؤولية عن العدوان، متبنياً مزاعم الاحتلال، كما شن الإعلام المصري حملة إعلامية مكثفة في السياق ذاته، لم تستهدف حركة حماس فقط، بل استهدفت مجمل أبناء الشعب الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة. فقد صدح صوت النظام المصري عالياً في أثناء العدوان أخيراً على القطاع، من خلال تصريحاتٍ ناريةٍ وصلت إلى حدّ التشكيك في جدوى السلام، واستعادة مقولة جمال عبد الناصر الشهيرة "ما أخذ بالقوة لا يُستردّ إلّا بالقوة"، إضافة إلى ما تم تصويره من قافلة المواد الغذائية والطبية التي حملت صور السيسي، في مقابل حالة صمت وترقب سلبي مما يسمى أنظمة الممانعة.
وبعد التدقيق في ذلك كله، يمكن القول إنّ تصريحات النظام المصري ومواقفه، أخيراً، لم تخرج عن إطار "أسمع جعجعةً ولا أرى طحناً"، بسبب طبيعة العلاقة غير المسبوقة التي تربط بين الاحتلال الصهيوني ونظام السيسي، الذي عانى، بدايةً، من أزمةٍ في الشرعية، أي الشرعية الدولية، خصوصاً موقف الولايات المتحدة التي قطعت المعونة الأميركية للجيش المصري (1.3 مليار دولار) عقب انقلاب السيسي. تلك المعونة التي استطاع نظام السيسي استعادتها من خلال وساطة الاحتلال الصهيوني، بعدما أثبتت ممارسات النظام المصري الجديد استمرار دوره الوظيفي ما قبل ثورة 25 يناير، عن طريق التعاون الأمني مع الاحتلال، وتحديداً الشراكة في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي بدت واضحة بعد تدمير نظام السيسي الأنفاق التي تربط قطاع غزة بمصر وإغراقها بمياه البحر، وكانت تعتبر الرئة التي تتنفس منها غزة. إضافة إلى اعتقال نظام السيسي فلسطينيين وتسليمهم لسلطات الاحتلال، كما حدث مع الصياد محمد سعيد صعيدي، ما شكّل سابقة في طبيعة العلاقات بين نظام مصري والاحتلال الصهيوني.

إعادة فتح النظام المصري معبر رفح لم يكن خروجاً عن خطه العام، وإنما كان جزءًا من الدور الوظيفي الذي يقوم به في خدمة الاحتلال والقوى الإمبريالية

يستطيع المتابع ملاحظة أنّ التغير في الموقف المصري لم يكن حديثاً ومتزامناً مع العدوان على قطاع غزة أخيراً، وإنّما كان سابقاً له؛ فقد ظهرت بوادره في مارس/ آذار 2016، بعد زيارة وفد من "حماس" القاهرة، وأصبح هذا التغيير ملموساً بعدما قرّر النظام المصري إعادة فتح معبر رفح في مايو/ أيار عام 2018، إلّا أنّ إعادة فتح المعبر لم تأتِ بشكل مجاني، بل دفعت "حماس" ثمنها، عبر اعترافها الضمني به، بعدما غيرت الحركة برنامجها في عام 2017، وقبلت بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967. وهذا ما يعيدنا بالذاكرة إلى بداية التنازل من منظمة التحرير الفلسطينية، عند إقرار البرنامج المرحلي عام 1974. فإعادة فتح النظام المصري معبر رفح لم يكن خروجاً عن خطه العام وتخلياً عن دوره الوظيفي، من أجل تبنّي دور جديد، يضمن من خلاله المصالح الاستراتيجية لمصر، وإنما كان جزءًا من الدور الوظيفي الذي يقوم به في خدمة الاحتلال والقوى الإمبريالية، سيما أن عداء النظام وحالة الحرب والحصار الذي ساهم في فرضها على قطاع غزة جعله يخسر دور الوسيط في ذلك الوقت، الدور الذي اعتاد على لعبه. ما دفع الاحتلال في حينه إلى البحث عن بدائل ترتبط بعلاقات مع الاحتلال من جهة ومع حماس من جهة أخرى (قطر أو تركيا)، بغرض التوصل إلى تسوية تضمن تهدئة طويلة الأمد، وتقلل من احتمالات المواجهة المستقبلية، خصوصا مع تزامن سرقة الاحتلال غاز المنطقة، وسعيه إلى التحول إلى مركز للطاقة، يتطلب بعض الهدوء والاستقرار، خصوصاً في قطاع غزة، والذي يعتبر محاذياً لعقدة خطوط الطاقة القائمة، والمزمع إنشاؤها بين الاحتلال والنظام المصري، وبين الاحتلال ونظام الحكم في الإمارات. إلّا أنّ توتر علاقات الاحتلال مع بدائل النظام المصري المحتملة (قطر أو تركيا)، إضافة إلى عدم رغبة أو قدرة هذه البدائل على ممارسة ضغوط على حركة حماس ساهم وعزّز من إمكانية استمرار النظام المصري في لعب دور الوسيط، وكجزء من هذا الدور، كان لا بدّ من وعود بتخفيف الضغط الاقتصادي عن قطاع غزة، خوفاً من حدوث انفجار شعبي غير محسوب العواقب.

لا يمكن لحركة حماس، في الوقت الحالي، أن تحظى برعاية مصرية مناصرة للحقوق الفلسطينية أو حيادية؛ على أقل تقدير

لذلك، عاد النظام المصري إلى لعبته السابقة راعياً غير حيادي في المفاوضات مع الاحتلال، وهذا ما بدا واضحاً في تصريحات مدير المخابرات المصرية، عباس كامل، المتكرّرة، المتبنّية رواية الاحتلال التي تدّعي أنّ "حماس" تأسر مدنيين يحملان الجنسية الإسرائيلية، إضافة إلى جثتي جنديين من جنود الاحتلال.
كما يحاول النظام المصري تضمين صفقة التبادل ملفي إعادة إعمار قطاع غزة وتخفيف قيود الحصار المفروض من الاحتلال من جهة والنظام المصري من جهة أخرى، مقابل هدنة طويلة الأمد، قد تصل إلى حد الاعتراف الصريح بالاحتلال، ما يساهم في تبدل دور "حماس" كجزء من حركة تحرّر إلى دور يشابه دور سلطة رام الله الوظيفي.
لذلك، لا يمكن لحركة حماس، في الوقت الحالي، أن تحظى برعاية مصرية مناصرة للحقوق الفلسطينية أو حيادية؛ على أقل تقدير؛ كما جرى في صفقة شاليط عام 2011، بعد نجاح ثورة 25 يناير في إزاحة نظام حسني مبارك الذي كان يمارس ضغوطاً على الفلسطينيين لصالح الاحتلال، شبيهة بالتي يمارسها نظام السيسي حالياً؛ حيث حلّ محله المجلس العسكري الذي كلف ملف المفاوضات غير المباشرة بين الاحتلال و"حماس" للواء خالد عرابي، الذي أدار المفاوضات بكفاءة ونزاهة مطلقة.
من ذلك كله، على حركة حماس أن تعي هذا الواقع جيدا، لذا عليها الإصرار على فصل ملف الأسرى عن ملفي إعادة إعمار القطاع وفك الحصار. كما عليها الحذر من الخضوع للإملاءات المصرية والصهيونية التي سوف تفرض عليها التزاماتٍ كارثية، فيما يخص موقع الحركة ودورها، والتي سوف تكبلها مستقبلا، وتجعلها بشكل دائم تحت سيطرة النظام المصري والاحتلال الصهيوني وتحكّمهما.