الانتخابات العمّالية المصرية: هيمنة الدولة

الانتخابات العمّالية المصرية: هيمنة الدولة واستبعاد المستقلّين

13 يونيو 2022

(محمد عبلة)

+ الخط -

كعادتها، أدارت الدولة المصرية الانتخابات العمّالية، أخيرا، وفقا لمنطق المغالبة لا المشاركة، إذ أجريت انتخابات اللجان النقابية القاعدية بمرحلتيها، الأولى والثانية، خلال شهر مايو/ أيار وتستمر طوال شهر يونيو/ حزيران، بانتخاب مجالس إدارات النقابات العامة واتحاد عمال مصر. وهو ما سبق أن قامت به من خلال رفض تلقّي أوراق تأسيس 95% من النقابات المستقلة، في أثناء معركة توفيق أوضاع النقابات في أعقاب صدور القانون المنظم للمنظّمات النقابية عام 2017.
واستخدمت الدولة منهجها المتكرّر هذا في الانتخابات البرلمانية وغيرها، بعرقلة الكوادر العمّالية النشطة والمستقلة، وعدم السماح لهم بالترشّح لرئاسة اللجان النقابية الصغيرة أو بعضويتها، وبالتالي لا يسمح لهم بالترشّح في انتخابات النقابات العامة، وعضوية مجلس إدارة الاتحاد العام، والذي تجرى انتخاباته بالتزكية دائما، ونادراً ما شهد أيّ تغيير في قياداته التي تكون دائما من أعضاء أحزاب الموالاة.
وتسيطر الدولة على مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمّال مصر منذ أواخر الخمسينيات. وعلى الرغم من اختلاف الحقب الرئاسية، فإنّ منهج السيطرة والإدارة من أعلى ظل قائماً ومانعاً من دون خروج الاتحاد من العباءة الحكومية، من خلال الأجهزة الأمنية التي تدير الانتخابات من وراء الستار. حيث تصوغ الدولة شروط الانتخاب، وتكوين اللجان المشرفة على تلقي الأوراق وإعلان القوائم، من خلال سيطرة كاملة لوزارة القوى العاملة على مجريات هذه العملية، ومشاركة شكلية للقضاة في اللجان العامة، حيث تدير اللجنة أعمالها بالتصويت، وتشرف الوزارة، عبر أدواتها الإدارية والأمنية، على كل تفاصيل العملية الانتخابية، بدءاً من عملية الترشّح، حتى إعلان أسماء المرشّحين وإعلان النتائج لاحقاً، والتي تتحكّم فيها جهات حكومية مثل وزارة القوى العاملة، أو نقابات تابعة لاتحاد عمّال مصر الرسمي، أو المنشآت الحكومية نفسها التي تجرى الانتخاب داخلها.

استمرّت الأجهزة الأمنية في استخدام أدواتها للسيطرة على المنظمات النقابية العمالية، من خلال استدعاء المرشحين والضغط عليهم للانسحاب وعدم الترشّح

وتجرى جميع انتخابات المنظمات النقابية العمالية في وقت واحد تحت الإشراف الكامل لوزارة القوى العاملة، وتُفرض عليها الشروط التي يجب توفرها في المرشّح، ومنها ألا يكون عاملاً مؤقتاً، بينما الغالبية من العاملين في القطاع الخاص يعملون بموجب عقود مؤقتة. ويعطي القانون صلاحيات كبيرة لمديريات القوى العاملة، فيما يخصّ إجراءات الانتخابات في اعتماد كشوف الناخبين، كما يفرض القانون تقديم طلبات الترشّح لعضوية مجالس إدارات الوحدات التابعة للقطاع العام وقطاع الأعمال العام لرئيس مجلس إدارة الشركة، وهو ما يتيح، بالتالي، هيمنة مطلقة للإدارة لاستبعاد طلبات النقابيين المعارضين في المنشأة. 
وحفلت المرحلتان الأولى والثانية بعشرات الملاحظات من المنظمات الحقوقية، وأهمها: شطب أغلب أسماء الكوادر المدافعة عن حقوق العمّال من الترشّح عبر استبعاد أسمائهم من القوائم الأولى للترشّح، وعدم قبول طعونهم، فضلاً عن محاولة منعهم من تقديم طعون برفض تسليمهم قرارا بعدم إدراجهم في الكشوف. 
عدم إعطاء اللجان النقابية التابعة لاتحاد عمّال مصر المرشّحين بيان حالة للمرشّحين المنافسين، وتفويت الفرصة عليهم، سواء بإغلاق مقر النقابة العامة في المنشأة، واستبعاد أسمائهم من عضوية الجمعية العمومية، وبالتالي، عدم ظهورها في النظام الإلكتروني لوزارة القوى العاملة، ومن ثم رفض طلبات ترشّحهم، عدا عن تعنت إدارات الشركات في إعطاء المرشّحين شهادة بالمؤهل. 
ضغوط جهاز الأمن الوطني، باستدعاء المرشّحين النشطين نقابيا لممارسة الضغوط عليهم بعدم الترشّح، أو بالقبض عليهم واحتجازهم عدة أيام، وهو ما فعله الجهاز مع عدد من المرشّحين. كما حُرم المرشّحون من الدعاية الانتخابية، حيث لم يترك القرار الخاص بالترشّح، فرصة القيام بأي نوع من الدعاية، سواء في أماكن العمل أو خارجها، فليس هناك فرق زمني بين إعلان الكشوف النهائية للمرشّحين وموعد الانتخابات، حيث اقتصرت الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي. كما لا تتمتع اللجان الفرعية المشرفة على التصويت وفرز الأصوات بالحياد، وهي تتيح فرصة كبيرة للتلاعب لصالح مرشّحين معينين، حيث يرأسها أحد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، وهي عرضةٌ لسيطرة الأجهزة الأمنية بشكل مطلق. واستمرّت أيضاً الأجهزة الأمنية في استخدام أدواتها للسيطرة، من خلال استدعاء المرشحين والضغط عليهم للانسحاب وعدم الترشّح، وهو ما يضع علامات استفهام أخرى على مدى حيادية أجهزة الدولة في ممارسة المواطنين حقوقهم الانتخابية والدستورية.

تساعد الأوضاع الاقتصادية المتردّية في إيجاد تربة خصبة لزيادة الاحتجاجات العمّالية عبر المواقع النقابية المختلفة

من جهة أخرى، تتعارض طريقة إجراء تلك الانتخابات مع الدعاوى المطروحة من الإدارة السياسية للحوار الوطني، فهي لم تسمح بأي إجراءاتٍ ذات مصداقية للترشّح فيها، ولم تتح فرصا متساوية للمرشحين من مختلف القوى السياسية في الترشّح. كما أنّ استخدام أسلوب شطب المرشحين يضع علامات استفهام على مدى ديمقراطية التنظيم النقابي الذي سيكون استمراراً لتبعية اتحاد عمّال مصر للسلطة التنفيذية منذ نشأته، إذ ظلّ مؤيداً كلّ السياسات الحكومية المعادية لمصالح العمّال، في الخصخصة والمعاش المبكر وفصل العمال من عملهم، ولم يقف، في أي وقت، ضد تصفية الشركات، سواء التابعة منها للقطاع الخاص أو قطاع الأعمال العام.
وتساعد الأوضاع الاقتصادية المتردّية في إيجاد تربة خصبة لزيادة الاحتجاجات العمّالية عبر المواقع النقابية المختلفة، خصوصا بعد تخلّي الدولة عن دورها في توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ورفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية وتخفيض قيمة العملة الوطنية، وزيادة حجم البطالة بانضمام آلاف العمّال في ظل إغلاق الشركات وتصفيتها أو خصخصتها، وهو المخطط الرسمي لشركات صناعية كبرى كثيرة، مثل الحديد والصلب ومجمّع الألومنيوم وغيرها.
الأمر المهم، وبغض النظر عن نتيجة التشكيل النقابي الرسمي التي ستصبّ في تبعية مطلقة للإدارة، أنّ هذه الانتخابات لن تكون نهاية للمسار العمالي المستقل الذي يشهد تصاعداً احتجاجياً على ظروف العمل السيئة والسلطات المطلقة لأصحاب العمل، بفصل العمّال لمجرد المطالبة بحقوقهم المالية التي نصّ عليها القانون، وعقابهم لمجرّد قيامهم بنشاطهم النقابي، أو تلفيق قضايا لهم بالتظاهر والتجمهر، وهو ما حدث مع مئات العاملين، ومنهم عمّال مصر للتأمين الذين ما زالوا محبوسين منذ شهور طويلة، بسبب احتجاجهم على لائحة مالية تنتقص من حقوقهم المالية. وسيؤدّي تكوين اتحاد عمّالي تحت الهيمنة الرسمية إلى انفصال العمال وقياداتهم الطبيعية عن هذا الاتحاد، بنشوء تحرّكات نقابية مستقلة خارج هيمنة التنظيم النقابي، وبالتعارض مع نصوص القانون المنظمة للإضرابات عن العمل، والتي تضع شروطاً قاسية لتنظيم هذه الإضرابات، وهو ما كان يحدث عام 2011 منذ انطلاق ثورة 25 يناير.