تنسيق الإسلاميين و"بام" في المغرب: تقارب الضرورة بين الغريمين

تنسيق الإسلاميين و"بام" في المغرب: تقارب الضرورة بين الغريمين

27 يوليو 2021
يهدف "العدالة والتنمية" و"بام" لمواجهة طموح أخنوش ترؤس الحكومة (Getty)
+ الخط -

يطرح اللقاء التشاوري، الذي جرى، نهاية الأسبوع الماضي، بين قيادة حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، وغريمه السياسي، حزب "الأصالة والمعاصرة" (بام)، أكبر حزب معارض في البلاد، أسئلة عدة حول نوايا الغريمين، وذلك على بعد 6 أسابيع من الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية. وبينما أعلنت قيادتا الحزبين، في بيان مشترك، رغبتهما المشتركة في الإسهام بإنجاح الانتخابات، المقررة في 8 سبتمبر/أيلول المقبل، "بما يكرس المسار الديمقراطي"، و"يثمن الاختيار الديمقراطي"، بدا لافتاً أن اللقاء التشاوري مؤشر على تقارب بين الغريمين اللذين دخلا منذ تأسيس "الأصالة والمعاصرة" في العام 2009 في صراع ومعركة "كسر عظم".

تبدو المؤشرات الأولى للقاء مطمئنة لقيادة "بام" لناحية إمكانية فتح صفحة جديدة مع العدالة والتنمية

وفيما لم يعلن الحزبان عن خطة للتنسيق خلال الانتخابات المقبلة، أو بعد ظهور النتائج النهائية، إلا أن لقاءهما كشف عن وجود ما يجمعهما ويوحدهما، في اللحظة السياسية الراهنة، من خلال إعلان رفضهما كل الأساليب الساعية إلى "المساس بنزاهة وحرية الاقتراع، خصوصاً عبر أساليب الاستعمال المريب للمال الانتخابي"، وكذا استعمال بعض أدوات "الترغيب والترهيب ضد بعض الفاعلين الحزبيين"، في إشارة ضمنية إلى خصمهما حزب "التجمع الوطني للأحرار" بقيادة وزير الزراعة عزيز أخنوش.

وفي انتظار عقد اجتماع جديد لقيادة الحزبين، خلال الأسابيع المقبلة، تبدو المؤشرات الأولى للقاء مطمئنة لقيادة "بام"، لناحية إمكانية فتح صفحة جديدة في علاقته مع غريمه السياسي، حزب "العدالة والتنمية"، لا سيما بعد أن أكد أمينه العام عبد اللطيف وهبي، في تصريحات صحافية، أن الأساس، عقب اللقاء التشاوري، هو أن الخطوط الحمراء انتهت بين الحزبين. ولفت إلى أن "التنسيق بينهما يهدف إلى تجاوز كافة المشاكل والعراقيل التي يمكن أن تقع في المستقبل، ومواجهة كل التصرفات التي يمكن أن تسيء إلى العملية الديمقراطية".
وفي السياق ذاته، أشار نائب الأمين العام لـ"العدالة والتنمية" سليمان العمراني، في تصريحات صحافية، إلى أن النسخة السابقة من "الأصالة والمعاصرة" لم تعد اليوم قائمة". واعتبر أن "الأمور تغيّرت اليوم، ذلك أن القيادة الحالية للحزب، عبرّت عن توجه جديد. نحن في العدالة والتنمية لدينا أطروحة تؤطر فِعلنا السياسي، وهي التي تقوم على الشراكة الفعالة من أجل البناء الديمقراطي مع كل الفاعلين، وعلى رأسهم الأحزاب السياسية، لذلك لا يتصور أن العدالة والتنمية لن يسعى لبناء جسور التواصل والتشاور مع كل الأحزاب، بدون استثناء، بما فيها الأصالة والمعاصرة".

وهذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها القيادة الجديدة في "بام" انفتاحها على "العدالة والتنمية"، إذ تمكنت من كسر الجليد بينهما، من خلال لقاء عقد في 12 يوليو/تموز العام الماضي، في سياق إطلاق وهبي، عقب انتخابه أميناً عاماً في 9 فبراير/شباط 2020، ما سماه "خط المصالحة مع الذات ومع المحيط"، وجعل الحزب "عادياً مثله مثل جميع الأحزاب، بعيداً عن الخطوط الحمراء والخضراء والزرقاء والبيضاء". كما كان لافتاً، تحول "الأصالة والمعاصرة"، الذي كان يوصف بحزب "الدولة" و"التحكم"، في عهد وهبي من وظيفة احتواء "العدالة والتنمية"، بعد أن كان قد بنى الحزب خطابه السياسي التأسيسي في 2009، على مواجهة الإسلاميين، وهو الخطاب الذي استنفد أغراضه منذ الفشل في الفوز بالانتخابات التشريعية في 2016، إلى التطبيع معهم.
وقال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، في حديث مع "العربي الجديد"، إن التنسيق بين حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"العدالة والتنمية" عنوان لإنهاء مرحلة الاستقطاب الأيديولوجي، ومراجعة حسابات كل طرف، وإبداء مقدار من البراغماتية السياسية في ضوء المستجدات السياسية وانتظار نتائج الانتخابات المقبلة. ووفق لزرق، فإن "العدالة والتنمية" يبدي مقداراً من البراغماتية السياسية، في محاولة منه لفك أي محاولة لتطويقه بعد ظهور نتائج صناديق الاقتراع، وتفادي تكرار سيناريو "الانحباس" الحكومي، الذي أطاح في العام 2017 برئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران. ولفت إلى أنه، في مقابل ذلك، يبحث حزب "الأصالة والمعاصرة"، في شخص أمينه العام، عن موقع سياسي في حكومة ما بعد 8 سبتمبر المقبل.

رشيد لزرق: التنسيق بين الحزبين عنوان لإنهاء مرحلة الاستقطاب الأيديولوجي

ولئن كان الحزبان لم يعلنا عن خطة للتنسيق خلال الانتخابات أو بعد ظهور نتائجها، إلا أن لقاء قيادتهما يفتح، بحسب مراقبين، المجال لحدوث تغييرات في علاقتهما، باتجاه العمل معاً في مواجهة "خصم مشترك"، هو حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي يطمح رئيسه وزير الزراعة، عزيز أخنوش، لقيادة الحكومة بعد الانتخابات. وبحسب هؤلاء، فإنّ سيناريو السعي لاحتواء طموح "التجمعيين" وارد بين الحزبين، ولا سيما في ظلّ التراشق المستمر بين "التجمع الوطني للأحرار" و"الأصالة والمعاصرة" منذ انتخاب وهبي، وكذلك تخطيط القيادة الحالية للحزب، بزعامة أخنوش، لتصدر الانتخابات المقبلة والإطاحة بالإسلاميين.
وشهدت الساحة السياسية المغربية صعود نجم "التجمع الوطني للأحرار" منذ تولى قيادته أخنوش أواخر سنة 2016، ولا سيما بعد أن تمكن من الإمساك بخيوط تشكيل حكومة سعد الدين العثماني، وفرض شروطه أمام رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران (29 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 إلى 5 إبريل/نيسان 2017). ومنذ ذلك الحين عمل أخنوش، بكل ما أوتي من قوة على تقوية الحزب، وتجديد هياكله التنظيمية وتطعيمها بوجوه جديدة، وهو يراهن عليها محلياً وجهوياً لبلوغ هدفه المنشود بقيادة الحكومة المقبلة وكسر هيمنة الإسلاميين على صناديق الاقتراع.