لقاءات "بام" مع الأحزاب المغربية: تطبيع سياسي أم تكتيك انتخابي؟

لقاءات "بام" مع الأحزاب المغربية: تطبيع مع المشهد السياسي أم تكتيك انتخابي؟

14 يوليو 2020
فشل "الأصالة والمعاصرة" بالفوز بانتخابات 2016 (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

تفتح اللقاءات التي أجرتها قيادة حزب "الأصالة والمعاصرة"، أكبر حزب معارض في المغرب، طيلة الأسبوع الماضي، مع الأحزاب السياسية ولا سيما الغريم السياسي، حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي، المجال واسعاً لحدوث تغييرات في علاقات الحزب مع محيطه في اتجاه "التطبيع" مع المشهد السياسي.

وفي الوقت الذي تجد فيه القيادة الحالية لحزب "الأصالة والمعاصرة"، المعروف اختصاراً بـ"بام"، نفسها في مواجهة تحدي تدبير أزمة داخلية تهدد وحدة الحزب، تطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كانت تحركاتها تروم إحداث اختراق في علاقات الحزب مع محيطه والظفر بـ"الشرعية السياسية" على غرار باقي الأحزاب بعيداً عن منطق احتواء "الإسلاميين"، أم أنّ الأمر لا يعدو كونه مجرد تكتيك لاحتواء طموح جامح لحزب "التجمع الوطني للأحرار" لقيادة حكومة 2021.

وشكّل اللقاء الذي عقده الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة"، عبد اللطيف وهبي، مع الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، سعد الدين العثماني، أول من أمس الأحد، بمقر الحزب الأخير بالرباط، فرصة "لمناقشة الظرفية السياسية والمرحلة التي نعيشها، وكذا طبيعة العلاقة بين الحزبين"، وفق ما صرّح به العثماني عقب اللقاء.


هذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها القيادة الجديدة في "بام" انفتاحها على "العدالة والتنمية"

وتبدو المؤشرات الأولى للقاء، مطمئنة لقيادة "بام" لناحية إمكانية فتح صفحة جديدة في علاقته مع غريمه السياسي، حزب "العدالة والتنمية"، ولا سيما بعد أن كشف العثماني أنّ اللقاء "أكد على أهمية الانفتاح على الحوار لمعرفة أسباب التوترات التي ميزت العلاقة بين الحزبين خلال فترات سابقة، والتداول في الصيغ الممكنة للعمل معاً على معالجتها حاضراً ومستقبلاً".

وفي هذا السياق، بدا لافتاً للانتباه تأكيد العثماني أنّ حزبه يرى أنّ "مستقبل المشهد الحزبي بالمغرب، يجب أن يكون متنوعاً، فيه أحزاب سياسية مستقلة، ذات قرار سياسي مستقل، مواطنة، تخدم مصالح المواطنين"، مشيراً إلى أنه "تمّ التأكيد على أهمية الالتزام الجماعي بممارسة سياسة نبيلة لمصلحة الوطن والمواطنين، وكذا على الالتزام الأخلاقي في التعامل في ما بين الحزبين".

وهذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها القيادة الجديدة في "بام" انفتاحها على "العدالة والتنمية" وإمكانية التحالف معه. فوهبي الذي تجمعه علاقة طيبة بالعديد من قادة الحزب، مثل الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، كان من الداعمين للتحالف بين الحزبين في انتخاب رئيس مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة العام الماضي. وهو التحالف الذي وصفه بـ"الإنجاز الحقيقي والأمر المحترم الذي يسعى لتصحيح أخطاء الماضي". وقال وهبي "كلنا مغاربة ونعتزّ بمغربيتنا، ونعتز بالأحزاب الوطنية باختلافي معها"، مشيراً إلى أنه "لم يكن لدي في أي وقت خط أحمر مع أي حزب، بدليل اتصالاتي منذ عام 2012 مع العدالة والتنمية".

كما يعيد اللقاء بين الحزبين إلى الأذهان إعلان الأمين العام الجديد لحزب "الأصالة والمعاصرة"، في خطاب انتخابه في 9 فبراير/شباط الماضي، مرور حزبه إلى مرحلة جديدة أساسها الانفتاح على جميع القوى السياسية، والحديث عن إمكانية فتح صفحة جديدة في علاقته مع غريمه السياسي، حزب "العدالة والتنمية".

وبدا لافتاً أنّ وهبي حرص منذ اللحظات الأولى لانتخابه، على توجيه رسائل طمأنة لمكونات المشهد الحزبي، خصوصاً "العدالة والتنمية"، حين أعلن إطلاق ما سماه "خط المصالحة مع الذات ومع المحيط"، وجعل الحزب "عادياً مثله مثل جميع الأحزاب بعيداً عن الخطوط الحمراء والخضراء والزرقاء والبيضاء".

ويرى مراقبون في اللقاء الذي جمع قيادة حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"العدالة والتنمية" نهاية الأسبوع الماضي، مؤشراً آخر على انتقال القيادة الجديدة لـ"بام" من وظيفة احتواء "العدالة والتنمية" إلى التطبيع مع المشهد السياسي، بعد أن كان قد بنى "بام" خطابه السياسي التأسيسي في عام 2009، على مواجهة الإسلاميين، وهو الخطاب الذي استنفد أغراضه منذ الفشل في الفوز بالانتخابات التشريعية عام 2016.


العنصر المشترك بين "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"، يكمن في السعي نحو احتواء تطلع "حزب التجمع الوطني للأحرار" لقيادة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة

ولد حزب "الأصالة والمعاصرة" عام 2008 وفي فمه ملعقة من ذهب، واستطاع خلال سنة واحدة أن يحقق مكاسب سياسية هائلة لم يتمكن أي حزب سياسي مغربي آخر من تحقيقها ربما طيلة مساره. لكن مع مرور السنوات، وانسحاب مؤسسه وعرابه، فؤاد عالي الهمة، المستشار الحالي للعاهل المغربي، وجد الحزب نفسه في مواجهة الانكسارات الانتخابية في صراعه مع الإسلاميين في محطتي 2011 و2016، كما وجد نفسه في أكثر من مرة في صراع مع عدد من الأحزاب السياسية، ومن أبرزها "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية"، فضلاً عن "العدالة والتنمية".

وفي الوقت الذي يحاول فيه وهبي شرعنة وجود حزب "الأصالة والمعاصرة" في الساحة السياسية من خلال تقرّبه من "العدالة والتنمية" أولاً، ثمّ زياراته لباقي الأحزاب (الاستقلال، والتقدم الاشتراكية)، يبدو التنسيق بين الحزبين تحضيراً للانتخابات المنتظر تنظيمها في 2021، حاضراً، خصوصاً في ظلّ وجود "خصم مشترك"، هو حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي يطمح رئيسه وزير الزراعة، عزيز أخنوش، لقيادة الحكومة المقبلة.

وبرأي مراقبين، فإنّ العنصر المشترك بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"، في اللحظة السياسية الحالية، يكمن في السعي نحو احتواء تطلع "حزب التجمع الوطني للأحرار" لقيادة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة. وبحسب هؤلاء، فإنّ سيناريو السعي لاحتواء طموح "التجمعيين" وارد بين الحزبين ولا سيما في ظلّ التراشق المستمر بين حزبي "التجمع الوطني للأحرار" و"الأصالة المعاصرة" منذ انتخاب وهبي، والذي كانت آخر حلقاته تصريح رشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي للأحرار، بأنّ "الأصالة والمعاصرة يستحق زعيماً في مستوى الحزب".