حديث مع الدولجية عن الخطاب الديني

حديث مع الدولجية عن الخطاب الديني

11 مايو 2021
+ الخط -

س: بصراحة لم أفهم لماذا ترغبون في تجديد الخطاب الديني إلى هذه الدرجة؟ ألا تدركون أن دعوة مثل هذه يمكن أن تكون سلاحاً ذو حدين، فأي تجديد حقيقي للخطاب الديني يمكن أن يقود الناس إلى خطاب ديني يحترم الحريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ويجرِّم التعذيب والإخفاء القسري وحبس أصحاب الرأي؟

ج: وما علاقة الدين بالسياسة يا جاهل؟ نحن نتحدث عن تجديد الخطاب الديني الذي يقدم أفكاراً وفتاوى لا تواكب العصر وتحدياته.

س: يعني هل مثلاً تريدون خطاباً دينياً جديداً يبتعد بالكامل عن السياسة، فلا يستخدم الآيات والأحاديث لنفاق الحاكم، ولا يجعل الحاكم يلجأ إلى الدين حين يرغب في عمل مذبحة لمعارضيه مثل مذبحة رابعة، فيقوم بإرسال مشايخ ودعاة لكي يجلسوا مع الضباط والجنود الذين سيقومون بالمذبحة لكي يقولوا لهم نحن على الحق ومن ستذبحونهم خوارج؟

ج: أنت لا زلت تخلط الدين بالسياسة وتحاول التسفيه من أهمية أن يكون لنا خطاب ديني جديد نواكب به العصر، خطاب يصب في مصلحة المواطن ويحقق الأمن والاستقرار.

س: آه، فهمت، كان ينبغي أن تنبهني إلى أن الهدف هو الصب في مصلحة المواطن، يعني ببساطة تريدون خطاباً حديثاً متطوراً يحلل قتل المدنيين بالطائرات الدرونز في سيناء، ويوافق على بيع جزيرتي تيران وصنافير وشراء الغاز من إسرائيل، وما إلى ذلك من أمور تدخل ضمن اختصاص الحاكم المتغلّب الذي سيندرج في بند اختصاصاته كل ما له علاقة بالعيشة واللي عايشينها، من باب "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، طيب، هل الخطاب الديني القديم قصّر معكم في شيء لكي تتخلوا عنه؟ ألم تُرتكب باسمه كافة المذابح والمظالم والمخازي خلال العقود الماضية، ومورس باسمه النفاق والكذب والتضليل على أوطى مستوى، وبيعت البلاد وانفشخ العباد.

لماذا لا تنصحون السيسي أن يخفض سقف كبريائه قليلاً ويبادر بزيارة شخصية إلى الشيخ أحمد الطيب، كالتي يقولون إنه قام بها بعد مذبحة رابعة

لماذا لا تجيئون بآخركم وتقولوها بصراحة: نرغب في الإطاحة بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من منصبه؟ لماذا تتصورون أن الإطاحة به ستكون كارثة بالنسبة لدولتكم الشامخة؟ تصوركم خاطئ تماماً، ويمكن أن تختبروا ذلك، لو شجعتم رئيسكم الملهم عبد الفتاح السيسي على أن يصدر قراراً فورياً بإقالته ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وصدقوني سيخرج عليكم أغلب شيوخ الأزهر لا ساخطين غاضبين، بل شاكرين مؤيدين، وسيقولون لكم إن قرار الإقالة هو حفاظ على بيضة الدين وجوهر الإسلام، وحين يلتقي شيخ الأزهر المعيّن أو المرضيّ عنه بالسيسي سيضع يده على كتفه بود ومحبة وسيقول له: "لو جاز لي أن أقول لأحد إنه لا يُسئل عما يفعل ولا يُسئل عما يفعلون لقلتها لك"، وبعد عشرين عاماً سيضع يده على كتف السيسي الثاني وسيقول له: "إذا كنت قدرنا فليوفقك الله وإن كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل"، وسيبكي الملايين من فرط الانبهار بحكمته في المرة الأولى، وسيبكون من فرط الانبهار بشجاعته في المرة الثانية.

حضرات السادة الدولجية: الخطاب الديني بجميع طبعاته القديمة والحديثة، المتشددة والمرخيّة، لم يقصر معكم طيلة العصور الماضية في دعم الظلم والنفاق والفساد، أو في السكوت عن الظلمة والمفسدين والتواطؤ معهم في أحسن الأحوال، فلماذا لا توفرون علينا وجع الدماغ وتستعينوا بمن لا يزال حياً من اللواءات القدامى المسئولين عن ملف الأزهر ومؤسسات الدولة الدينية لكي يساعدوكم على الإمساك بالدفة جيداً، بدلاً من أن تنساقوا وراء قيام الشيخ علي جمعة بتسخين الوالي المتغلب على الشيخ الطيب، لكي يحقق حلمه في أن يصير شيخاً للأزهر قبل أن يموت.

لماذا لا تنصحون السيسي أن يخفض سقف كبريائه قليلاً ويبادر بزيارة شخصية إلى الشيخ أحمد الطيب، كالتي يقولون إنه قام بها بعد مذبحة رابعة، وكانت سبباً في أن يغير الرجل الطيب من نبرته ويتغاضى عن اعتقال الطلبة من قلب جامعته وسحل الطالبات اللواتي تظاهرن ضد ما يجري في البلاد، سيكون ذلك أجدى وأبدى من سماحكم للكلاب العضّاضة في برامج التوك شو والصحف والمواقع بأن تقوم بالإساءة إلى الرجل كلما أطلق تصريحات حادة تعترض على ما يجري في فلسطين المحتلة أو أعلن اعتراضه على مواقف رسمية مثل الاشتراك في صفقة القرن أو التهاون مع فرنسا بعد سياستها الهوجاء في التعامل مع المسلمين، ألم تتعلموا بعد كل هذه التجارب أن مثل هذه المواقف الخطابية تعجب الناس وتعطي إحساساً بأن هناك براحاً يمكن أن يحسن مستوى التنفس ويخفض حالات الاختناق من فرط القهر؟
لماذا لا تتعلمون من تجارب من كان قدرنا ثلاثين عاماً، فتقومون بملاعبة حلفائكم الإقليميين والدوليين بمواقف شيخ الأزهر وتأخذون على حس هذه الملاعب الكثير من الفلوس والغاز والنفط والسلاح، هل تذكرون تلك الأيام التي كان ـ وهو الكنز الاستراتيجي لإسرائيل بشهادة أهم قادتها ـ يسمح بإذاعة أغاني وأفلام تلعن سنسفيل إسرائيل وجرائمها، حتى أنني كتبت مرة أنني لن أستغرب لو كانت قد أصابته نوبة ضحك هستيرية حين سمع أغنية "وإن مات ملايين مننا القدس هترجع لنا" وهي تذاع على شاشات مساعده الأوفى صفوت الشريف، ولا أستبعد لو كان قد اتصل بعدها بصديقه بنيامين نتنياهو وسأله: "إيه رأيك في أوبريت الحلم العربي يا بيبي؟".

يا سادة ببساطة أنتم لستم في حاجة إلى تجديد الخطاب الديني، أنتم بحاجة إلى تجديد الخطاب "التعريضي" ـ وضعت نقطة على الصاد لأجل خاطر الشهر الكريم ـ أو بمعنى أصح بحاجة إلى استعادة تراثه العريق وكباتنه الذين تمكنت هذه البلاد بفضلهم من التعايش الطويل مع العفن، فالعبوها مثلهم صح وكونوا حذراً فيما تتمنونه، فقد تنالونه ولا مؤاخذة.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.