كاستينغ الممثلين المغاربة... فرصة لمعدومي الموهبة

كاستينغ الممثلين المغاربة... فرصة لمعدومي الموهبة

19 أكتوبر 2020
عشرات برامج الكاستينغ بحثاَ عن النجوم (بونيت بارانجبي/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ بداية الألفية الجديدة، ظلّ التلفزيون المغربي يُمارس سلفيّته تجاه تغيّرات جمّة، طاولت هذا الوسيط البصري داخل المنطقة العربيّة. فهو لا يلتفت إلى هذه التطوّرات التقنية والمفاهيم الفنية والجمالية التي أضحت نسقاً جديداً تحتكم إليه جميع الأعمال المصورة من أفلامٍ تلفزيونية وبرامج وإشهارات دعائية ومسلسلات درامية، بوصفها المفهوم الفني أو الآلية الإجرائية التي تستند إليها مفاهيم شاشة التلفزيون والسينما وغيرهما.

ويحتل عنصر "الكاستينغ" (أي عملية اختيار الممثلين) مرتبة مُتقدّمة داخل هذا الجهاز وشاشاته، إذْ يغدو المُخرج في هذه الحالة أشبه بشرطيّ أو رقيبٍ، يحرص على أنْ تظلّ الشاشة الصغيرة مرتعاً لصناعة الفنّ والجمال من ذوي أصحاب الموهبة والتكوين، فهو فنّ انتقاء المواهب والشخصيات والملامح المُعبّرة والآسرة، التي تُجمّل المُنتَج الدرامي، وتجعل مفهوم الحكاية البصرية يأخذ بُعداً تخييلياً. 

وقد يزداد الأمر صعوبة لدى المُخرج التلفزيوني، حين يهمُّ بالانتقال من شخصياته الورقية، صوب عملية البحث عن مُمثّله المنشود داخل الواقع الذي ينتمي إليه. في هذه الحالة تزداد عملية البحث ضراوة. والمُخرج الحقيقي هو من ينجح في التقاط شخصية مُؤثرة، قد لا تكون معروفة أحياناً، لكنّها تتوافر على مواهب فطرية خفيّة، تُصقل وتبرز لحظة التدريب، ومن ثم التصوير.

وأغلب الأعمال التلفزيونية الناجحة، هي تلك التي يحرص فيها المُخرج على تماهٍ كليّ مع صُوَرِ مُسلسله الدرامي، وتناغم منشود بين شخصياته وقدرته على جعل هؤلاء الممثلين ينصاعون إلى طبيعة الحكاية، وهي تحفر مجراها عميقاً في أجسادهم، قبل بدء عملية التصوير. لهذا الأمر، تستغرق عملية البحث وإجراء "كاستينغات" مُتنوّعة داخل مسلسلات فرنسية وأميركية شهوراً طويلة، قبل أنْ يُعثَر على الشخصية التي يحلم بها المُؤلف. ورغم ذلك، تظلّ الشكوك تُخامر المُخرج من حينٍ لآخر لحظة تصوير مُسلسله، عن نجاعة الممثل وقدرته على التماهي مع الدور المسنَد إليه.
إنّ البحث عن الاسم والوسامة داخل التلفزيون المغربي، أنتج رداءة مُتواصلة، منذ تسعينيات القرن المُنصرم. بحثٌ يُغذيه إيمانه الأعمى بعائدات مُسلسلاته ونسب مُشاهداتٍ مُضلّلة، إضافة إلى عدم وضوح فكرة المشروع الدرامي في ذهنية المُخرج ومشاكل السيناريو العويصة، التي تنفر كل مُتعة مُشاهدة، إذْ تُحاول أنْ تتسلّل إلى مسام شخصية ومُعانقة رحابة موهبتها داخل مسلسل تلفزيوني. 

البحث عن الاسم والوسامة داخل التلفزيون المغربي، أنتج رداءة مُتواصلة، منذ تسعينيات القرن المُنصرم

 وجعل غياب جودة كاستينغ المسلسلات الدرامية في المغرب (أو حضورها الشكليّ) عدداً من الوجوه والأسماء، تتناسل كالفطر داخل الصورة التلفزيونية. وحُجبَت معها سلسلة من الأسماء الفنية المُخضرمة الرفيعة، التي صنعت جماليّات الفرجة في تاريخ التلفزيون بالمغرب.

وهؤلاء أصحاب مواهب حقيقية وتجارب فنية ذائعة الصيت عربياً. كذلك إنّ الرواج التجاري الذي يشهده التلفزيون الهندي مثلاً، يرجع بالأساس إلى النهضة البصرية، التي حققها هذا الجهاز على مستوى آليات اشتغاله وتقييمه. فهو لا يتنازل عن حقّه في إجراء عشرات "الكاستينغات" داخل ولاية واحدة. وهذا الأمر ساهم في تنميته وخلق سياسة تجارية، قد لا تكون هادفة فكرياً، لكنّها مُؤثرة داخل الشرق الأوسط. حتى غدت هناك إمبراطوريات تلفزيونية هندية هدفها الأساس، هو نسج علاقات كبيرة مع مخرجين من أجل تسويق أعمالهم الدرامية الخاصّة داخل العالم العربيّ من طريق الدبلجة. والسبب الرئيسي هو آلية الكاستينغ وعشرات برامج كاستينغات "مواهب النجوم" المُنتشرة في ربوع الهند، التي تُساهم ضمنياً في بروز ممثلين وأبطال جدد. رغم مظاهر الاستسهال التي قد تطبع بعض هذه الأعمال الدرامية، إلا أنّها سياسة ناجعة في مُواصلة المُنتَج واستقبال خبرات فنية جديدة خريجة المعاهد ومؤسسات التمثيل من داخل الهند. 

ما يحدث داخل التلفزيون المغربي هو العكس تماماً لما يحدث في بلدانٍ أخرى. إذْ تُسحَب الوجوه الجديدة ويجري تعويضها بتنانين المال العام، ممن تعودوا صنع مُنتَج بصري هجين على مستوى الخلطة وتوابلها الفنية. حتى أضحى هؤلاء أشبه في أعين جماهيرهم، كالتجار داخل التلفزيون، يتكاثر لغوهم كلّما حلّ شهر رمضان لكونهم أصحاب مشاريع فنية. وينسحبون مع نهاية الشهر، بعد أن يحصوا أرباحهم ويكون المُشاهد المغربي قد تخلى عن نتاجهم الفني، مُهاجراً صوب قنوات وفضاءات أرقى، حيث تغدو صناعة الفنّ والجمال موهبة فطرية. وأمام ركام هذه المسلسلات الدرامية، يُفتَح الباب أمام أشباهٍ من الممثلين، ممن لا علاقة لهم بالمجال الفني.

وهذا الأمر، هو ما نراه في عددٍ من المسلسلات الدرامية المغربيّة، التي يتساءل معها المُشاهد، منذ بدايتها عن هذا الوجه أو ذاك. ليكتشف أنّه ابن المُخرج أو زوجته أو صديقه. والسبب في مُراهنة هؤلاء على اعتلاء عرش الصورة، هو أنّ التلفزيون المغربي يُخوّل لهم مكانة شعبية أكثر، وذيوعاً أكبر داخل الأوساط الفنية وإمبراطوريتها المُتشابكة من العلاقات الفنية، يعتقدون أّنها ذات أهميّة، مُقارنةً بأعمالٍ تجارية أو أكاديميّة يقومون بها. وتفاقم هذا الأمر في السنوات القليلة الماضية، إذْ أصبحنا نُعاين هجرة جملة من الفنانين من مجال الغناء والأزياء والتدريس، صوب أعمالٍ سينمائية وتلفزيونية درامية، وبقدرات مُتواضعة، بحثاً عن نفوذٍ مُصطنع وشهرة لا طائل منها في بلدٍ ينهش المواهب، ويكسر طموحاتها.

المساهمون