ترامب وكورونا: فرصة ضائعة لخطاب مختلف

ترامب وكورونا: فرصة ضائعة لخطاب مختلف

07 أكتوبر 2020
تحول البيت الأبيض إلى ساحة للوباء (وين ماكنامي/Getty)
+ الخط -

لاحت أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فرصةً قد لا تستعاد، في أن يكون مختلفاً، وأكثر تواضعاً. مع إصابته بوباء كورونا، توقع الكثيرون انعطافة ترامبية، يمكن توظيفها في الصندوق الانتخابي، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من باب التعاطف الشعبي مع رئيس، اختبر العدوى التي أصابت أكثر من 7.4 ملايين أميركي حتى اليوم. لكن هذه التوقعات تبخرت، واختار الرئيس الأميركي، مجدداً، ألا ينزل عن الشجرة ليتقاسم مع ملايين الأميركيين التجربة القاسية التي اختبروها في أقل من عام.
وعلى بعد 27 يوماً من الانتخابات الرئاسية، يقيس الرئيس الوقت بالثواني، في معركة شرسة قد تطيح كل جهوده التي بذلها في أربعة أعوام، خلال حربه مع الحزب الديمقراطي. وليس معروفاً، ما إذا كان خيار استمرار استعراض العضلات والكباش مع الفيروس، من بوابة الاستهتار، والذي انتهجه ترامب والحزب الجمهوري إلى الآن، سيشكل الضربة القاضية لسعيهم للبقاء في البيت الأبيض.

اختار ترامب، ومعه الحزب الجمهوري، تعميم رسالة "قوة" من خلال إصابة الرئيس

واختار الرئيس ترامب، ومعه الحزب الجمهوري، تعميم رسالة "قوة" من خلال إصابة الرئيس، عوض الخيار الآخر باستغلال الإصابة لتعميم مفهوم مختلف وسردية جديدة في التعاطي مع الوباء، مبنيين على إعادة تقييم لإدارة الأزمة الصحية ومراجعة للسياسة التي انتهجتها حكومته منذ بداية 2020. هذه الرسالة، تجلّت بخروج ترامب ليل الاثنين الثلاثاء، من مستشفى "وولتر ريد" العسكري، الذي مكث فيه ثلاثة أيام فقط منذ إعلانه الإصابة بكورونا يوم الخميس الماضي. وكان سبق ذلك بيوم، قيام ترامب بجولة قصيرة بموكبه أمام المستشفى، لتحية أنصاره، مع مرافقيه، ما أثار عاصفة انتقادات لتعريضه المحيطين به للخطر. وفور وصوله إلى البيت الأبيض عقب خروجه من المستشفى، تعمد ترامب رفع الكمّامة الواقية عن وجهه أمام عدسة المصورين، قبل الولوج إلى داخل المقر الرئاسي الأميركي. ويقول الإعلام الأميركي إن أجنحة كثيرة في البيت الأبيض، تحولت إلى "مدينة أشباح"، إذ أخلى موظفون عدة المقر، للعمل من المنزل، مع انتشار العدوى داخل فريق ترامب، وبقاء الرئيس نفسه معدياً، أقله حتى نهاية الأسبوع الحالي. كذلك، لا يزال التقييم الصحي لحالة ترامب ملتبساً، مع تحذيرات من قبل متخصصين للإعلام من إمكانية عودة عوارض المرض بشدة إليه، لا سيما بالنظر إلى سنّه. وسيعمل الرئيس من جناح خصص له، غير "الجناح الغربي"، حيث جهز له مكتب، على أن يرتدي كل من يحتاج إلى لقائه القناع الواقي. ومرة جديدة، قلّل الرئيس من خطر الفيروس، وهو ما رأى فيه مختصون "خطوة خطرة" وتنم عن عدم تحمل المسؤولية.

ودعا ترامب الأميركيين إلى عدم جعل الوباء "يتملكهم"، لكن الرئيس، الذي حظي بفرصة العلاج في أضخم المستشفيات الأميركية، تغاضى عن وفاة أكثر من 200 ألف أميركي، نسبة كبيرة منهم في الضواحي ومن الأقليات الفقيرة، لعدم توفر الفرصة ذاتها لهم، كما تغاضى عن أعداد الإصابات التي لا تزال ترتفع، وفقدان ملايين الأميركيين وظائفهم، واستبدال أنماط حياتهم بنمط جديد من "التعايش" مع الفيروس، كان من الممكن تفاديه بإدارة أكثر حكمة. في هذه الأثناء، تساءل عدد من الباحثين في مجال الطب، ما إذا كان الرئيس، الذي يصطحب معه مرافقين في سيارة وهو يعاني من عوارض كورونا، "مؤهل عقلياً" للبقاء في الرئاسة. وقال هارالد شميدت، وهو أستاذ جامعي مساعد في أخلاقيات الطب وسياسات الصحة في جامعة بنسيلفانيا، لصحيفة "نيويورك تايمز"، تعليقاً على تغريدة الرئيس قبل خروجه من المستشفى، إن "هذا جنون خالص". فالرئيس لم يكلف نفسه عناء توجيه النصيحة للمواطنين بارتداء الكمّامات، وبالبقاء آمنين، لحماية أنفسهم وعائلاتهم. ورأى ويليام شافنر، الخبير في الأوبئة في كلية فاندبربيلت للطب في جامعة تينيسي، في تعليق للصحيفة ذاتها، أن رسالة ترامب "خطيرة للغاية، لأنها ستقود إلى المزيد من التعاطي اللامبالي مع الوباء، ما سيزيد عدد الإصابات، وبالتالي عدد الوفيات".

سيواصل ترامب في الأسابيع المقبلة السردية الخاطئة نفسها حول الوباء

في هذه الأثناء، عرقل مسؤولون كبار في البيت الأبيض، ومنهم كبير الموظفين مارك ميدوز، توجيهات فيدرالية أكثر تشدداً للإعلان عن التوصل إلى لقاح لعلاج كورونا، لأن من شأنها تأخير المصادقة على أي لقاح قبل موعد الانتخابات، ما دفع إدارة الغذاء والدواء الأميركية للبحث عن طرق بديلة سريعة للالتزام بالمعايير المطلوبة، ومراعاة أن يكون اللقاح آمناً وفعالاً.
وقد تحمل استماتة ترامب للعودة إلى الحملة الانتخابية، واستعادة الظهور اليومي الذي يعتقد أنه الأكثر جاذبية واستهواء لمناصريه، مخاطر على وضعه الصحي، وكذلك على خطابه الانتخابي، الذي خاب ظنّ كثيرين، حتى من ضمن حملته، بأن تشكل الإصابة فرصة لتبديله. وبرأي هؤلاء، فإن الأميركيين سيتذكرون حتماً في يوم التصويت، إخفاقات رئيسهم في مواجهة الوباء، وتقليله الدائم من خطره على حياتهم. وقال ترامب من على شرفة البيت الأبيض، لدى وصوله أول من أمس، "ربما أنا اكتسبت المناعة، لا أدري"، مخالفاً نصيحة عدد من فريقه باستغلال العدوى للحصول على منافع سياسية. وشكّلت محاولة تصويره الأيام التي قضاها في المستشفى، بأنها رحلة استجمام ونقاهة، ضربة قوية لحملته، وتأكيداً بأنه سيواصل خلال الأسابيع المقبلة المتبقية حتى يوم الاقتراع، السردية الخاطئة نفسها حول الوباء. وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن الحملة بدأت مراجعة هذه المقاربة، لاستغلالها، عبر الترويج بأن الرئيس، حارب الوباء الآن كأي فرد أميركي. وقالت إرين بيرين، إحدى المتحدثات باسم الحملة، إن جو بايدن، منافس ترامب للرئاسة، "لم يحصل على هذه الفرصة". وهذه النظرية، تعد مشابهة لرسالة سابقة انتهجها ترامب خلال حملته الرئاسية في عام 2016، حين قال إنه بإمكانه محاربة الفساد في النظام السياسي، لأنه كان جزءاً منه كأحد المانحين في يوم من الأيام. وتواصل الحملة التأكيد أنها لم تضع سيناريوهات بديلة للمناظرة الثانية المرتقبة بين ترامب وبايدن في 15 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وأن الرئيس يعتزم الحضور، لكن طبيبه شون كونلي أكد أن الصورة حول ذلك، لن تكون واضحة قبل 12 أكتوبر. أما منافسه بايدن فربط مشاركته في المناظرة المقبلة بتأكيد الأطباء أن ذلك سيكون آمناً. وتعاني حملة ترامب من نقص في السيولة منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وليس معروفاً مدى إمكانية تحسين هذا الوضع مع غياب ترامب عن حملات جمع التبرعات.
في المحصلة، اختار ترامب طريق استعراض القوة، والبقاء على نهج تظهير نفسه كرئيس قوي، مع رسالة جديدة هي "الدعوة للتخلص من هستيريا الوباء"، التي تلاقي صدىً مرحباً لها لدى أنصاره. أما عدم التواصل مع باقي الأميركيين، سيظل السمة التي سترافق باقي أيام الحملة الجمهورية الرئاسية، فيما تبقى كلفة ذلك رهناً بالنتيجة النهائية.